عطارون بلا مؤهلات.. وشيوخ كار أطربتهم تسميات رنانة!
دمشق – البعث
لم تأت مقولة “لن يصلح العطار ما أفسده الدهر” من فراغ، فهي تؤكد أن لمهنة العطارة عبر العصور دوراً استشفائياً لا يستهان به، وهذه المهنة – كما يرغب البعض بتوصيفها – هي الشكل التراثي والتاريخي لمهنة الطب والصيدلة وهي الأساس القديم لهما، ويؤكد ذلك الاهتمام التاريخي للدولة العباسية بهذه المهنة والارتقاء بها عندما أصدر أحد ولاتها أول فرمان يقضي بمنع تداول العطارة أو العمل بها لمن لم يتمرن ويتدرب لمدة لا تقل عن أربع سنوات في برامستان عرب ستان، أو في برامستان النوري في دمشق وهو أول برامستان في الوطن العربي، أي أنه تم وضع شروط لمزاولة مهنة العطارة منذ أكثر من ألف.
ترتبط العطارة بالدرجة الأولى بصحة الإنسان وبشكل يحتم على الجهات المعنية وخاصة وزارة الصحة تنظيمها ومراقبتها بشكل دقيق لاسيما أن هناك الكثير من العطارين من يدعي أنه على خبرة عالية في هذا المجال لدرجة أنه يوصف ما يحلو له للمرضى الغارقين والحالمين بالتعلق بقشة النجاة، لتتحول العطارة إلى عمل من لا عمل له علماً أن وزارة الصحة أصدرت قرارا عام 1973 يمنع وصف الأدوية إلا من قبل الأطباء والصيادلة، ثم أُهمل ليعاد تفعيله بقرار صدر بمنتصف الثمانينات تم التأكيد عليه بقرار جديد مطلع القرن الحالي وأعقبه قرار آخر من وزير الصحة عام 2010.
لكن مع الأسف لازالت الفوضى هي سيدة الموقف في سوق عطارتنا ومعظم روادها لقبوا أنفسهم بشيوخ كارها ولا يمانعون أن يطلق العامة عليهم صفة الحكماء أو حتى الدكاترة دون وجود أدنى مؤهل علمي، معتمدين في تحضير وصفاتهم على الكتب المترجمة وغير الفنية الموجودة في الأسواق، علما أن الفنية منها لا تقدم المعلومة الصحيحة.
يؤكد أهل الاختصاص أن النباتات العشبية بشكل عام تعطي مفعولا رائعا بالنسبة للأمراض المزمنة، بينما في الحالات الحادة لا بد من اللجوء للأدوية الكيميائية، لاسيما أن الكثير من الأدوية التي ظهرت في العالم بدءا من العقد الثامن من القرن الماضي هي من أصل نباتي سواء استعملت بشكلها الطبيعي أو المُنقى، فعلى سبيل المثال: الأدوية الخافضة لشحوم الدم من مجموعة أستاتينات ابتدأت من نباتين (غوميفورا غوغل، وغوميفورا ميرا)، ثم طُورت إلى الشكل الحالي، وأيضا الأدوية المقوية للقلب من مجموعة الديجوكسينات أساسها نبات القعية الصوفية أو الأرجوانية، ومنظمة الصحة العالمية صنفت الدواء النباتي الذي يستخدم النبات الحر أو خلاصته كاملة، بينما ما يُنقى من النبات كمادة أولية كالديجوكسين فيوضع تحت زمرة الأدوية الكيميائية، مع الإشارة هنا إلى أنه لا فرق بين استخدام الدواء الكيميائي أو النباتي، لكن المهم ماذا يعالج وما هي السرعة المطلوبة للسيطرة على المرض فالدواء المضاد للسعال والمسمى رونشيكوم أو ميل روزو كلاهما خلاصات نباتية بحتة وهما من أكثر الأدوية الموصوفة من قبل الأطباء لمن يعانون من مشاكل صوتية، فللنبات إذا مصداقية عالية لكن يتوقف ذلك على مدى إتقان الشخص للتعامل معه.
إذا ما قمنا بجولة على عديد الأسواق فسنجد أن هناك قسماً من دكاكين العطارة لا تقدم أية وصفة للمرضى وإنما يبيعون المواد العشبية حسب رغبة الزبون ويقدمون أنفسهم على أنهم باعة أعشاب وليسوا عطارين، وقسماً آخر خط ّعلى محله عبارة شيخ العطارين ويسوق نفسه على أنه ذوي خبرة واختصاص في هذا المجال ولا ضير لديه أن يوصف أي وصفة علاجية لأي مرض، ما يعني ضرورة تحرك الجهات المعنية وبالسرعة الكلية لتنظيم هذه المهنة الحساسة.
يشار أخيراً إلى أن معظم العطارين الموجودين في سورية يشترون أعشابهم من الفلاحين المحليين الذين يعتمدون في تسويق منتجاتهم على صور لأعشاب تشبه تلك المنشورة في الكتب الخاصة بالأعشاب وليس بالضرورة أن تكون نفسها، لاسيما أن هناك حوالي 70 نبتة تباع بأسماء لا علاقة لها بالتصنيف النباتي وفقاً لتأكيدات أصحاب الاختصاص!