دراساتصحيفة البعث

النظام السياسي الأمريكي.. صراعات حزبية وانقسامات داخلية

ريا خوري

ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تعيش حالة من الانقسام السياسي غير المسبوق في سياق الصراع المحتدم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واحدة من تلك المآزق الكبرى التي يعاني منها النظام السياسي الأمريكي، وما مرّ به من فشلٍ ذريع في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، خاصة وأنّ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لعام 2024 ستكون الدورة الرئاسية الستون التي تجري كل أربع سنوات، والمقرّر إجراؤها يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024.

الصراع المحتدم في أروقة السياسة الأمريكية يظهر حجم الخلل في بنية النظام السياسي القائم الذي لا يعكس إرادة الناخبين بقدر ما يعكس مصالح القوى صاحبة النفوذ والسطوة من مراكز قوى وشركات ضخمة وكارتيلات وأصحاب رؤوس أموال يساهمون بتمويل المرشحين لانتخابات الرئاسة والكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ. بمعنى آخر، إنَّ المال السياسي يحدّد بالضبط توجهات السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، لذا فإنّ شكل الحملات الانتخابية الرئاسية الحالية تعبّر عن خروجها عن إطارها وسياقها الطبيعي المعتاد لما يتخللها من قدحٍ وذم وشتائم وتهكّم، وهي بهذا تمثّل وجهاً من وجوه العطب الكبير في النظام السياسي الأمريكي، كما أنّ حالة الصراع بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، ودعوات العزل التي ينادون بها ضد بعضهم البعض تمثل وجهاً آخر لهذه الأزمة المتفاقمة، فقد دعا كيفن مكارثي رئيس مجلس النواب المعزول مؤخراً، وهو من الحزب الجمهوري لمساءلة الرئيس جو بايدن من الحزب الديمقراطي بهدف عزله من منصبه، متهماً إياه بـالكذب على الشعب الأمريكي بشأن أعمال ابنه هانتر الذي يواجه ثلاث تهم فيدرالية أمام محكمة جنائية، في مدينة ويلمينغتون بولاية ديلاوير، في قضية تتعلق بحيازته أسلحة نارية ومخالفات ضريبية يمكن أن تؤدي إلى سجنه فترات طويلة، كما تمّ اتهام الرئيس بايدن بالتربح أثناء شغله منصب نائب الرئيس من مشروعات تجارية لابنه هانتر، وتغذية ثقافة الفساد في الولايات المتحدة، على الرغم من أنَّ هذه الخطوة من الصعب قبولها والمضي فيها حسب العديد من المراقبين والمحللين السياسيين، لأنها تحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، لكنها تدخل في إطار النكايات السياسية والصراعات الحادة المتفاقمة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

لقد سبق للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن تحدث بوضوح كبير منتقداً النظام الانتخابي ووصفه بأنه لم يعد يستند إلى القواعد والنظام السياسي الأمريكي، ولم يعد يعمل بشكل صحيح ويجب إصلاحه، فلا يوجد في الدستور الأمريكي أي  مادة تنصّ على حق الناخب في اختيار رئيسه بشكلٍ مباشر، بل يعطي الحق كلّ الحق لأعضاء المجمع الانتخابي فقط دون غيرهم. وفي كثيرٍ من الأحيان حصل مرشح الرئاسة على أكبر عدد من أصوات الناخبين، لكنه فشل فشلاً ذريعاً في الحصول على تأييد المجمع الانتخابي، وهو ما حصل مع وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون التي تفوقت على الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بنحو ثلاثة ملايين صوت، لكنها خسرت الأصوات اللازمة في المجمع الانتخابي، وبذلك فإن عدة ملايين من أصوات الناخبين الأمريكيين قد ذهبت إلى المرشح الذي لم يتمّ اختياره من جانب الشعب.

في هذا السياق من الصراعات السياسية حول بنية النظام السياسي الأمريكي، قام الرئيس السابق دونالد ترامب بمقاضاة هيلاري كلينتون لاتهامه بالتعاون مع روسيا الاتحادية -25 آذار 2022- وكانت النتيجة تغريم ترامب ودفعه نحو مليون دولار بسبب دعوى كاذبة ضد هيلاري كلينتون.

إن هذا الخلل الكبير في النظام السياسي ينعكس بشكلٍ مباشر على أداء الرئيس المنتخب وأعضاء الكونغرس الأمريكي ومجلسيه النواب والشيوخ، كما يؤدي إلى تفاقم الصراعات وتعميق الانقسامات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وداخل المجتمع الأمريكي، ويُبرز حجم الخلافات السياسية والثقافية والعرقية الحادّة.

لقد سبق لعدد كبير من الرؤساء الأمريكيين أن تعرضوا لمحاولات عزل وتهميش وإلغاء انتهت معظمها بالإخفاق، كما حصل بالنسبة للرئيس الأمريكي العاشر للولايات المتحدة جون تايلور (1841-1845)، والرئيس أندرو جونسون عام 1868، وهو الرئيس السابع عشر للولايات المتحدة، وتولى المنصب من عام 1865 إلى 1869. والرئيس ريتشارد ميل هاوس نيكسون عام 1973 وهو رئيس الولايات المتحدة السابع والثلاثون (1969–1974) ونائب الرئيس الأمريكي السادس والثلاثين نتيجة فضيحة (ووتر غيت) الشهيرة، حيث اختار الاستقالة، والرئيس بيل كلينتون إثر تورطه في فضيحة مونيكا لوينسكي وعلاقته غير الشرعية معها لكنه استطاع تجاوز العزل، وتكرّر الشيء نفسه مع الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2021 قبل عدة أيام من انتهاء ولايته بسبب دوره في أحداث مبنى الكابيتول، حيث تمت تبرئته من تلك التهمة.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ بل تجاوزه لمحاولة قام بها النائب مات غايتس من الحزب الجمهوري، وهو من المتشدّدين الصارمين ضد المتشدّد جون مكارثي رئيس مجلس النواب الجمهوري المعزول، مطالباً بإقالته من منصبه بسبب اتفاقه مع الديمقراطيين في تمرير الاتفاق المرحلي الأولي لتمويل طارئ للحكومة لمدة خمسة وأربعين يوماً.

كلّ هذا يشير بوضوح تام إلى حجم الخلل الهائل في بنية النظام السياسي الأمريكي الذي ما يزال يسير بشكلٍ متسارع نحو التهاوي.