“طوفان” فريدٌ من نوعه
تحليل إخباري:
مشهدٌ مغايرٌ تماماً لجميع المشاهد التي اعتاد الإعلام العالمي على تداولها حول “الصراع” بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني المحتل، حيث انقلب المشهد للمرة الأولى في تاريخه، ولم تتمكّن وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية، وحتى الصهيونية، من التعتيم على الضخّ الإعلامي الذي مارسه المقاومون الفلسطينيون من خلال نقلهم لتفاصيل تحريرهم بعض المغتصبات والمستوطنات الواقعة في “غلاف غزة” الأراضي المحتلة عام 1948، واضطرّ إلى مواكبة كل ما ينقله إعلام الفصائل.
فالصدمة التي أحدثتها عملية “طوفان الأقصى”، ليس لدى قادة الاحتلال الصهيوني فحسب، بل لدى جميع المراقبين في العالم، أحدثت نوعاً من التخبّط في التعاطي مع المشهد الذي أظهر الكيان الصهيوني على حقيقته بأنه “أوهن من بيت العنكبوت”، والتخطيط الواضح والدقيق لهذه العملية أذهل الجميع، حتى اضطرّ الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد”، إفرايم هاليفي، إلى القول في تصريح صحفي: إن الحرب التي اندلعت صباح السبت شكّلت مفاجأة تامة.
فالجانب “الإسرائيلي” لم يتلقَّ قبل اندلاع القتال، أي تحذير استخباراتي، ما يعني أن هناك عجزاً استخباراتياً واضحاً في الحصول على المعلومة، في مشهد مشابه لما حدث في حرب تشرين التحريرية قبل خمسين عاماً، بمعنى أن ما حدث أمس كان مخطّطاً له ليكون امتداداً طبيعياً لهذه الحرب وتلك الهزيمة التي تلقّاها الجيش الصهيوني آنذاك، وعدد الصواريخ التي أطلقها عناصر المقاومة خلال أقل من 24 ساعة يزيد على 3000 صاروخ، كان غير متوقّع، كما أن التنسيق الدقيق بين عناصر المقاومة على الجبهات أذهل الجميع، وبالتالي هذا “هجومٌ فريد من نوعه” وهي “المرة الأولى” التي تتمكّن فيها غزة من “اختراق عمق (إسرائيل) والسيطرة على القرى”، على حدّ زعمه.
فعملية “طوفان الأقصى” كان مخطّطاً لها سلفاً أن تكبّل الذراع الصهيونية وتجعلها عاجزة عن الرد على نطاق واسع، لأن الحرب هنا ستكون بين المستوطنات، وسيكون وقودَها المستوطنون الذين هم داعم أساسي لهذه الحكومة الصهيونية المتطرّفة، ومن هنا أيّاً يكن التحليل حول مصدر الصواريخ أو كيفية الحصول على التكنولوجيا المتعلّقة بها، فإن ذلك لن يقدّم أو يؤخر في المغزى الحقيقي من هذه العملية، وهو أن العدو الصهيوني باتت خياراته ضيّقة للغاية في التعاطي مع العملية، حيث إن أيّ مغامرة في اقتحام المواقع التي استولى عليها المقاومون ستعني أن هذه المستوطنات ستكون عرضة للتدمير بأيدٍ صهيونية، كما أن أيّ تفكير في القصف العشوائي لمناطق في غزة سيجعل الأسرى الصهيونيين وأعدادهم أكبر بكثير مما تم تداوله سيعرّض هؤلاء للإبادة على أيدي جيشهم الذي يدّعي أنه موجود للدفاع عنهم، ومن هنا فإن الخيارات أمام العدو ضيّقة جداً.
إذن، جميع المغامرات التي يمكن أن تذهب إليها هذه الحكومة الصهيونية المتطرّفة ستكون هي ذاتها الأداة التي ستؤدّي إلى تفجيرها من الداخل، فالسكوت سيؤدّي إلى انهيارها والاندفاع سيؤدّي إلى مزيد من القتلى في صفوف الجيش الصهيوني والمستوطنين، ولن يقدّم كثيراً قول رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو: “نحن في حالة حرب ولسنا في عملية عسكرية، وسنردّ بقوة لم يعرفها أعداء إسرائيل من قبل”، في المشهد القائم حالياً بل المرشّح لمزيد من التطوّرات الدراماتيكية لهذه الحرب، لأن المقاومة أكّدت أن عملية “طوفان الأقصى” مستمرة ضد العدو الإسرائيلي وممارساته الوحشية ودفاعاً عن المسجد الأقصى والأسرى في المعتقلات، فضلاً عن إمكانية انضمام أطراف أخرى إلى المعركة وخاصة بعد دخول المقاومة اللبنانية على الخط من شمال فلسطين المحتلة، الأمر الذي سيضيّق كثيراً خيارات الحكومة الصهيونية ويجعلها مضطرّة للخضوع أمام العالم لإرادة المقاومين، وخاصة مع إمكانية تجسّد نظرية “وحدة الساحات” على الأرض بشكل موسّع.
طلال ياسر الزعبي