دراساتصحيفة البعث

النزعة الحمائية في الاتحاد الأوروبي .. إشارة خطيرة

عائدة أسعد

يعتبر إطلاق المفوضية الأوروبية مؤخراً تحقيقاً بشأن السيارات الكهربائية المدعومة من الصين وتوصيتها لتقييم مخاطر التقنيات الحيوية من أحدث العلامات على تزايد الحمائية بسرعة في الكتلة المكونة من 27 عضواً.

ورغم أن اللجنة لم تذكر الصين بالإسم في ما يسمى بتقييم المخاطر الجماعي للتكنولوجيات الحيوية، لكن الواضح تماماً أن الصين هي الهدف الرئيسي.

وتشمل مجالات التكنولوجيا الأربعة التي أدرجتها اللجنة للتحقيق الأولي أشباه الموصلات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الكم، والتكنولوجيا الحيوية، ويمكن توسيع نطاق التحقيقات الإضافية لتشمل تقنيات الاتصال والملاحة والتقنيات الرقمية المتقدمة، وتقنيات الاستشعار المتقدمة، وتقنيات الفضاء والدفع وتقنيات الطاقة والروبوتات، والأنظمة المستقلة والمواد المتقدمة وتقنيات التصنيع وإعادة التدوير.

وإذا وافقت الدول الأعضاء على المجالات الأربعة بحلول ربيع عام 2024 كما تأمل المفوضية، فيمكن للاتحاد الأوروبي أن يتبنى قيوداً على الاستثمار والتصدير على مجموعة واسعة من التقنيات بإسم حماية أمنه الاقتصادي.

ومع ذلك، فإن مثل هذه التدابير الحمائية لن تؤدي إلا إلى التشعب التكنولوجي الذي حذر منه الكثيرون، ومن بينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في حرب باردة جديدة محتملة حيث ينقسم العالم إلى كتل سياسية متنافسة.

وأما الصين فقد قامت في العقود الماضية بتعاون تكنولوجي مثمر مع الدول الأخرى، بما في ذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان، ومن الصعب التصور أن يتوقف مثل هذا التعاون الذي أفاد الجانبين والعالم أجمع بسبب الخلافات السياسية والأيديولوجية.

ويمكن أن تؤدي قيود التصدير التي يفرضها الاتحاد الأوروبي إلى إبطاء التطور التكنولوجي في الصين على المدى القصير، لكنها ستضر أيضاً بالاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، نظراً لأن الصين أصبحت واحدة من القوى التكنولوجية في العالم في مجالات متعددة بما في ذلك الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا النظيفة.

وتجدر الإشارة إلى أن حظر الأسلحة الذي فرضته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الصين قبل 34 عاماً لم يمنع تقدم الصين في التكنولوجيات العسكرية، بل على العكس من ذلك، فقد دفع هذا الصين إلى قطع خطوات أعظم في تحديث دفاعها الوطني، كما أن أي قيود تكنولوجية يفرضها الاتحاد الأوروبي على الصين محكوم عليها بالفشل.

لقد أجبرت واشنطن في السنوات القليلة الماضية الاتحاد الأوروبي على حظر شركة “هواواي” بناءً على مزاعم لا أساس لها تتعلق بالأمن القومي، وسمحت الحكومة الأمريكية بإملاء شركات التكنولوجيا التابعة لها والتنمر عليها، مثل شركة “إيه إس إم إل” الهولندية العملاقة لتصنيع الرقائق، لتقييد الصادرات إلى الصين، وهي خطوة تهدف إلى الإضرار بالنهضة التكنولوجية للصين ولكنها في الواقع تضر أيضاً بسيادة الشركة وهولندا والاتحاد الأوروبي.

ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الاتحاد الأوروبي، الذي يصف نفسه بأنه رائد عالمي في مكافحة تغير المناخ، كان يستهدف السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وغيرها من التقنيات المرتبطة بمكافحة تغير المناخ في الصين، وهذه التدابير تقوض التعاون العالمي المطلوب بشدة بشأن تغير المناخ، وترسل إشارة خطيرة قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) المقرر عقده في وقت لاحق من الشهر المقبل في دبي، الإمارات العربية المتحدة.

لقد قامت الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدعم تقنياتها الخضراء كما هو موضح في قانون خفض التضخم الأمريكي والخطة الصناعية للصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي، لكن التقدم الهائل الذي حققته الصين في مجال التكنولوجيات الخضراء، من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى المركبات الكهربائية، ينبغي أن يعزى إلى البداية المبكرة للبلاد والتركيز الكبير على التكنولوجيا النظيفة، ولابد من الإشادة به باعتباره إنجازاً عظيماً في التصدي للتحدي العالمي الأكثر إلحاحاً المتمثل في تغير المناخ، ولا ينبغي تشويه سمعته أو تقويضه كما تحاول المفوضية الأوروبية أن تفعل.

إن التحركات الأخيرة للاتحاد الأوروبي لن تؤدي إلى المخاطرة بحروب تجارية متبادلة بين الشريكين التجاريين الكبيرين فحسب، بل ستؤدي أيضاً إلى تقسيم العالم وتقويض معركة المناخ، مما يجعل الجميع أسوأ حالاً.