التنديد والتظاهر لا يكفيان
هيفاء علي
في ظلّ تواصل العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة والضفة الغربية، أصدرت الدول العربية بيانات تنديد بالعدوان، بينما نزلت الشعوب العربية إلى الساحات للتضامن مع معاناة الفلسطينيين. هذه المظاهرات الشعبية التي جابت مختلف عواصم ومدن العالم العربي بدرجة متفاوتة طيلة الأيام الماضية مهمّة، تساهم في تشكيل الرأي العام العربي، وتثبت أن المواطن العربي ما زال متشبثاً بقضيته المركزية رغم محاولات الأنظمة والكيان الصهيوني تحييده وإبعاده عنها.
ولكن هل تكفي هذه المظاهرات الشعبية، وهل يكفي التنديد الرسمي لدعم الشعب الفلسطيني وردع وحشية الكيان المحتل؟ بالتأكيد لا تكفي، فلدى الدول العربية أوراق قوية يمكن استخدامها لوقف الدعم الغربي اللا محدود للكيان، ولوقف هذا العدوان ونصرة الشعب الفلسطيني. فلا تكاد تمرّ جريمة حتى تقع أخرى أبشع منها، لكن يبقى قصف مستشفى المعمداني الجريمة الأبشع إلى اليوم، فقد سقط في المجزرة أكثر من 1000 شهيد، بينهم أطفال ونساء وطواقم طبية، ونازحون لجؤوا إليه بعد أن دُمرت منازلهم وبحثوا عن مكان آمن.
من المؤكد أن المعمداني لن يكون المستشفى الأخير الذي يقصفه الكيان الإسرائيلي، فمنذ بداية حربه ضد قطاع غزة هدّد جيش الاحتلال باستهداف وقصف المستشفيات التي لجأ إليها المدنيون، ظناً منهم أنها أماكن آمنة وفق ما تمليه كلّ الأعراف والأخلاقيات والقوانين الدولية.
بينما يحدّد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والمنبثق من اتفاقيات جنيف لعام 1949 “جرائم الحرب” بأنها انتهاكات خطيرة للقوانين الإنسانية في أثناء النزاعات والحروب ضد المدنيين بشكل عام، أي أن الاستهداف المتعمّد للمدنيين والمناطق المدنية دون وجود سبب عسكري ضروري لهذا الاستهداف يعدّ جريمة حرب، وهو ما ينطبق على ما يفعله الكيان الإسرائيلي في قطاع غزة.
بدورها، تقول المقررة الأممية لحقوق الإنسان فرانشيسكا ألبانيز، إن سكان غزة يتعرضون للإبادة، محذرة من تطهير عرقي للفلسطينيين، فيما اعتبر المقرر الأممي الخاص بـ”الحق في المياه” بيدرو أرواخو أغودو، تقييد فرص الناس في الحصول على المواد الحياتية “جريمة حرب”.
لكن كالعادة، كيان الاحتلال الإسرائيلي لا يعترف بالأخلاقيات ولا القوانين الدولية، إذ يتعمد قصف المدنيين والمدارس ودور العبادة والأطقم الطبية وسيارات الإسعاف ويحرم الأهالي من المساعدات ويتعمد تجويعهم، بغية تهجير سكان شمال غزة.
جرائم كثيرة تمت بمباركة غربية واسعة، حيث حصلت تل أبيب على دعم مالي وعسكري وسياسي مطلق من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وتناقش عواصم غربية أخرى تقديم دعم إضافي لكيان الاحتلال في الحرب ضد الفلسطينيين.
وكانت الولايات المتحدة قد سارعت بإرسال ذخيرة متطورة طلبها الإسرائيليون لتزويد طائراتهم المقاتلة التي تقصف قطاع غزة، كما أرسلت واشنطن حاملة الطائرات “جيرالد فورد” إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، تصحبها طائرات مقاتلة وطرادات ومدمرات، وقررت أيضاً إرسال حاملة الطائرات “دوايت أيزنهاور” والسفن المرافقة لها إلى المنطقة. فيما أعلنت بريطانيا نشر تجهيزات عسكرية للمراقبة البحرية والجوية وسفينتين في شرق البحر المتوسط دعماً للكيان الإسرائيلي، بدورها وضعت ألمانيا تحت تصرف الكيان الصهيوني طائرتين مسيّرتين حربيتين من طراز “هيرون تي بي” تحمل كل منهما طناً من الذخائر، أما باريس فاكتفت بتقديم معلومات استخبارية، إلى جانب الدعم الدبلوماسي الفاضح.
وأمام هذا الدعم الغربي الكبير للكيان المحتل، وتواصل الجرائم الإسرائيلية في حق الفلسطينيين، بوسع الدول العربية استخدام أسلحتها القوية كثيرة، وأهمها سلاح النفط والغاز، فوقف تصدير هذه المنتجات سيكون له وقع كبير ويجبر الغرب على التفكير مرة أخرى فيما يحصل في قطاع غزة.
ففي أعقاب حرب تشرين التحريرية 1973، أعلنت منظمة الدول العربية المصدّرة للنفط حظراً نفطياً على الدول الغربية الداعمة للكيان الإسرائيلي المحتل، وفي غضون ستة أشهر، ارتفعت أسعار النفط بنحو 300% على مستوى العالم، بل وأكثر من ذلك في الولايات المتحدة، التي أصبحت آنذاك تعتمد على نفط الشرق الأوسط.
كما يمكن لمصر أن تستغل سلاح قناة السويس، وقد رأى العالم قبل سنوات كيف أثر جنوح سفينة في القناة على التجارة العالمية، وهذا سلاح مهمّ وشرعي يمكن استعماله للضغط على الدول الغربية المساندة للكيان الإسرائيلي، وأقل الإيمان يمكن طرد سفراء الكيان وتعليق اتفاقيات السلام والتطبيع المبرمة معه، للضغط عليه لوقف جرائمه بحق الفلسطينيين على مدى 75 عاماً.