الوجيز في تاريخ المسرح العالمي
من الضروري التوقف عند كتاب “الوجيز في تاريخ المسرح العالمي” لكاتبه الباحث المسرحي د. حمدي موصللي، فهو بما يحتويه يُعتبر تلخيصاً للمسرح وأحواله منذ النشأة الأولى وحتى نهاية القرن العشرين لجملة من الأسباب التي جعلت إصداره حاجة ملحّة بسبب افتقار المكتبة العربية والمكتبات الثقافية ومعاهد الفنون المسرحية المتوسطة والعليا إلى مثل هذه الكتب المهمّة التي تغني الباحث والمُراجع والطالب والمهتم، فإذا تمّ وضعه بين أيدي المهتمين بالمسرح فلا حاجة للعودة إلى المراجع الكبيرة والمؤلفة من أجزاء عن تاريخ المسرح، وخاصة في ظل الحاجة إلى البحث عن المعلومة بسرعة وبشكل مختصر، إضافة إلى أنه كتاب يمثل بهوامشه الكثيرة إضافة للمعلومة المقدمة معلومة إضافية تغني الفكرة وتثبت دلالاتها وتعيد القارئ إلى مصدر المعلومة وأصلها لتضفي حتمية الصواب، ويبيّن موصللي في تصريحه لـ”البعث” أنه على قناعة تامة أن هذا الجهد لم يقدّم إلا القليل وما هو ضروري للقارئ، وقد مرّ عشرون عاماً وهو يعدّ لهذا الكتاب، ونشر بعض مواده في الدوريات العربية والمجلات المحكّمة، وتمّت ترجمة بعض بحوثه لأكثر من لغة، وما دفعه إلى إصدار هذا الكتاب الحاجة الملحّة إليه وسدّ النقص الحاصل في المكتبة العربية والركون إليه عند الحاجة لتفنيد ظاهرة صعبة الفهم وإيجاد مقاربة لها في الكتاب والعمل على تذليلها ما أمكن.
أجزاء وفترات زمنية
اعتمد الكاتب في كتابه على التقسيم الأكاديمي المتعارف عليه بتقسيم الكتاب إلى أجزاء وفترات زمنية.
البدايات الأولى
عرض الجزء الأول من الكتاب للبدايات الأولى للمسرح وأثر الرقص في تكوين الظاهرة الدرامية، متناولاً بإسهاب الجذور التاريخية للمسرح في حضارات الشرق القديم “المسرح الكنعاني والسومري والبابلي”، متتبعاً الأسطورة ونشأتها الأولى ومراحل تطورها والحديث عن الملاحم السورية القديمة وبلاد ما بين النهرين”سومر وأكاد” وهي التي أسهمت في نشوء الدراما المسرحية وطقوس تقديمها والتي لم تكن تروى فقط كشعر بل كان يتمّ تمثيلها، كما تحدث الكاتب في هذا الجزء عن المسرح الفرعوني وتعرّض لأهم أساطيره وبيّن بالأدلة وجود مسرح مصري ووقف مطولاً عند مسرحية “إيزيس وأوزيريس” وهي من أهم النصوص التمثيلية في الأدب الفرعوني وتمتلك كل مقومات العرض الاحتفالي الجماهيري العام، وهي كَمَا في الأساطير السومرية والبابلية والكنعانية وأساطير الشعوب الأخرى تعالج الصراعَ الأزلي بين الخير والشر، كما أسهب الكاتب في الحديث عن المسرح اليوناني القديم الذي كان له تأثير كبير على الثقافة والدراما الغربية وهو المسرح التقليدي الذي ازدهر في اليونان القديمة في 220 ق. م.– 550م وكذلك المسرح الروماني القديم وأهم مراحله للحدّ من الاتهام الموجه للكتّاب والشعراء الرومان والذي يقول إن الرومان لم يعرفوا المسرحية إلا بعدما انتقل الفن المسرحي الإغريقي إلى روما والذي انقرض مع ظهور الكنيسة وسقوط الإمبراطورية الرومانية، حيث اختفى المسرح الكلاسيكي اليوناني والروماني مع بداية العصر الوسيط الذي استمر حتى القرن الخامس عشر، وفيه تعثّر الفكر الإنساني وأصيب بالإحباط الشديد والتراجع بسبب سيطرة الكنيسة التي أعادت إنتاجه على طريقتها، فظهر المسرح في العصور الوسطى محاطاً بالطقوس الدينية وقُدّم في المناسبات الدينية.
عصر النهضة
يحتلّ مسرح عصر النهضة الجزء الثاني من الكتاب، ويشتمل على مسرح عصر النهضة الذي هو امتزاج لثلاث قوى: المسرح الكلاسيكي الذي ظهر أثره في مسرح شكسبير، والمسرح الإنكليزي والإيطالي وشخصياته ودوره الكبير في تفعيل مسرح عصر النهضة، وكذلك المسارح في فرنسا وإسبانيا، وصولاً للحديث عن المأساة الحديثة التي اتخذت أشكالاً عدة والتفريق بين ما هو مأساة وما هو ملهاة من خلال استعراض بعض الآراء لأشهر المسرحيين، كما استعرض الكتاب في هذا الجزء بشكل مختصر مسرح القرن العشرين وأهم التيارات والتجارب التي ظهرت فيه انطلاقاً من العام 1887 في كلّ من باريس وبرلين وموسكو ولندن التي مهّدت السّبيل إلى ظهور المسرح الحديث الذي كان من أبرز رموزه بريشتو أدامو فوجينيه وغروتوفسكيو بروك وسواهم من الذين يُعتبرون من الوجوه المشعّة في تاريخ تطوّر المسرح الأوربي.
المسرح عند العرب
وتلمّس الكاتب في الجزء الثالث من الكتاب الإرهاصات الجنينية الأولى للمسرح عند العرب، فاستعرض بالتفصيل أهم المراحل التي مرّ بها وهي: مرحلة الريادة والتنوير 1847– 1919 وهي مرحلة بداية التأصيل لمسرحة عربية حديثة من خلال مسرحية ” البخيل” لمارون النقاش اللبناني ومسرحية “مجنون ليلى” لأحمد أبي خليل القباني السوري وقد اعتمدا على التراث والسير الشعبية والغناء والموسيقا في عروضهما عكس الرافد الثالث يعقوب صنوع المصري لهذه المرحلة الذي تميز بمعالجته المباشرة للواقع الاجتماعي الفاسد، أما مرحلة ما بين الحربين 1919– 1950 فقد شهدت معالجات فنية مسرحية تستمد أصولها الفكرية من أفكار رواد النهضة، فظهرت المدارس الأدبية والمذاهب المختلفة التي أثمرت نهضة فكرية وفنية فكان المسرح بشقيه الشعري والنثري أكثر تألقاً فيها، في حين شهدت مرحلة الصعود والبحث عن الذات 1950–2000 متغيرات في كل أبعادها برأي الكاتب وهي التي أسهمت في ولادة منظومة فكرية عربية اتسمت بالنزوع إلى التحرر من الهيمنة الأوروبية بشتى مظاهرها، فتتالت في المسرح محاولات التأصيل من خلال البحث عن مضامين عربية عبر التراث وغيره بطريقة فنية إيحائية هدفها خدمة الحاضر والمستقبل، ويبيّن الكاتب موصللي في كتابه: “إن لجوء الدراميين العرب إلى التراث له ما يبرّره فنياً في سعيهم نحو التأصيل الذي يعطيهم فرصة ترسيخ الانتماء القومي، إذ لا انتماء قومي حقيقي إلا في الارتباط في التراث الذي هو في حقيقته حضور واستمرار إلى ما بعد الآن”، كما خصّص الكاتب في هذا الجزء حيزاً كبيراً للحديث عن المأساة في المسرح العربي من حيث علاقتها بالمأساة الكلاسيكية الغربية القديمة والحديثة، ومن أجل المقاربة قام بدراسة نماذج مسرحية عربية وسورية بشكل مختصر مثل “مصرع الحسين” للكاتب وليد فاضل و”كفر سلام” للكاتب عبد الفتاح قلعه جي و”مأساة كربلاء” الشعرية للكاتب إبراهيم الحيدري و”الخادمة” للكاتب ممدوح عدوان ومونودراما “ليلة الوداع” للكاتب جوان جان.
يُذكر أن “الوجيز في تاريخ المسرح العالمي” صدر حديثاً عن الهيئة العربية للمسرح، في 234 صفحة.
أمينة عباس