العالم يحتاج إلى السيطرة على الأسلحة الفتاكة
هناء شروف
اتسمت فترة الحرب الباردة بوجود قوة ثنائية تهيمن عليها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، حيث ركزت مفاوضات الحدّ من الأسلحة في المقام الأول على الحدّ من الترسانات النووية لهاتين القوتين العظميين، وهو ما تجسّد في محادثات الحدّ من الأسلحة الإستراتيجية ومعاهدة القوات النووية متوسطة المدى.
ولكن العالم المتعدّد الأقطاب في مرحلة ما بعد الحرب الباردة اليوم يتطلّب توجهاً متعدّد الأقطاب في التعامل مع مسألة الحدّ من التسلح. مع ذلك فإن الأشكال القديمة لأنظمة ومعاهدات الحدّ من الأسلحة، وخاصة تلك الموجودة في أوروبا وبين روسيا والولايات المتحدة (مثل وثيقة فيينا ومعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا ومعاهدة الأجواء المفتوحة ومعاهدة القوى النووية المتوسطة المدى) يمكن أن تكون بمثابة نماذج قيمة لتطوير أنظمة متعدّدة الأقطاب للحدّ من الأسلحة على الصعيدين العالمي والإقليمي.
اليوم تمتلك العديد من القوى الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين وبعض القوى الإقليمية مثل الهند وباكستان قدرات نووية كبيرة، بالإضافة إلى ذلك تواصل الدول غير النووية سعيها للحصول على الأسلحة النووية مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني العالمي. لقد أدّت الحرب السيبرانية والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والذكاء الاصطناعي وأنظمة الأسلحة المستقلة إلى طمس الخطوط الفاصلة بين الحرب التقليدية والحرب النووية.
تفرض هذه التطورات تحديات جديدة على الاستقرار الاستراتيجي من خلال زيادة احتمالات سوء الفهم أو سوء التقدير، ومن ثم لا ينبغي لأنظمة الحدّ من الأسلحة المتعدّدة الأقطاب أن تعالج القدرات العسكرية التقليدية فحسب، بل ينبغي لها أن تشمل أيضاً تدابير لمكافحة التهديدات غير المتكافئة مثل الإرهاب والهجمات السيبرانية وانتشار أسلحة الدمار الشامل.
يتعيّن على أنظمة الحدّ من الأسلحة المتعدّدة الأقطاب أن تتبنى التكنولوجيات الناشئة وأن تدمجها في الإطار الأوسع للاستقرار الاستراتيجي. وعلى الرغم من المزايا الملحة التي يتمتّع بها إنشاء أنظمة متعدّدة الأقطاب للحدّ من الأسلحة، إلا أنه يواجه العديد من التحديات: الأول هو إحجام القوى الناشئة عن المشاركة في مثل هذه الاتفاقيات وغالباً ما تستشهد بالفوارق التاريخية بين ترساناتها النووية والتقليدية، وأن معالجة هذه المخاوف تتطلّب براعة دبلوماسية وتنازلات من جانب القوى النووية القائمة.
التحدي الثاني هو التحقق من الامتثال، أي إن ضمان وفاء جميع الأطراف بالتزاماتها هو قضية دائمة في مجال الحدّ من الأسلحة، كما أن تطوير آليات تحقق فعّالة تحترم سيادة الدول المشاركة مع ضمان الشفافية في الوقت نفسه يشكل تحدياً هائلاً.
مع ذلك فإن احترام ميثاق الأمم المتحدة ليس مبدأ أساسياً في القانون الدولي فحسب، بل هو أيضاً حجر زاوية حاسم لإنشاء أنظمة متعدّدة الأقطاب لتحديد الأسلحة. إن التأكيد على ضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة أمر ضروري لدعم المعايير الدولية وتعزيز التعاون بين الدول وضمان شرعية أي إطار للحدّ من الأسلحة. ولا بدّ من تصميم الأنظمة المتعدّدة الأقطاب للحدّ من التسلح بحيث تمنع الصراعات وتحدّ من احتمالات لجوء الدول إلى القوة كوسيلة لتسوية النزاعات بما يتماشى مع الهدف الأساسي لميثاق الأمم المتحدة المتمثل في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين.
يؤكد ميثاق الأمم المتحدة على الدور المركزي للدبلوماسية والتسوية السلمية للنزاعات، إن مفاوضات الحدّ من الأسلحة باعتبارها مسعى دبلوماسياً تتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة الخاصة بالتسوية السلمية للنزاعات، كما يكرس ميثاق الأمم المتحدة مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء بغضّ النظر عن حجمها أو قوتها، وينبغي لأنظمة الحدّ من الأسلحة المتعدّدة الأقطاب أن تحترم هذا المبدأ من خلال توفير المشاركة المتساوية وفرص صنع القرار لجميع البلدان النووية وغير النووية.
من ثم تستطيع الأمم المتحدة أن تعمل كمنصة مهمّة لتعزيز المناقشات والمفاوضات بشأن الأنظمة المتعدّدة الأقطاب للحدّ من الأسلحة والاستقرار الاستراتيجي. ومن خلال مجموعة من المبادرات الدبلوماسية وتدابير الشفافية وجهود بناء التعاون، يمكن للأمم المتحدة أن تلعب دوراً مركزياً في الحدّ من المخاطر المرتبطة بانتشار الأسلحة وضمان عالم أكثر أمناً واستقراراً.
يمكن اتخاذ الخطوات والمبادرات الأساسية الأولى من قبل الأعضاء “الخمسة الدائمين” في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا) بسبب وضعها الفريد كدول تمتلك الطاقة النووية وصاحبة أمن دائم. ومن الممكن أيضاً أن تلعب الدول الخمس دوراً حاسماً في تعزيز اتفاقيات الحدّ من الأسلحة القائمة مثل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة ستارت الجديدة، وينبغي لهم أن يكونوا قدوة في دعم ميثاق الأمم المتحدة وهذه الاتفاقيات.
ومن خلال التركيز على الحدّ من مخاطر سباقات التسلح وتعزيز الاستقرار الاستراتيجي ومعالجة التكنولوجيات الناشئة وتعزيز الدبلوماسية والثقة، يمكن لأنظمة الحدّ من الأسلحة المتعدّدة الأقطاب أن تلعب دوراً كبيراً.
إن الطريق إلى مثل هذا النظام محفوف بالتحديات بما في ذلك المصالح المتباينة، وقضايا التحقق، والمخاوف بشأن الشمولية، والحاجة إلى القدرة على التكيف، خاصةً وأن الحاجة إلى أنظمة متعدّدة الأقطاب للحدّ من الأسلحة واضحة، ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل معاً للتغلب على هذه العقبات لتطوير نموذج جديد للحدّ من الأسلحة والاستقرار الاستراتيجي، لأن المخاطر مرتفعة للغاية والعواقب المترتبة على التقاعس عن العمل وخيمة للغاية.