أسيرة تقلب رواية
علي اليوسف
نصف ساعة كانت كافية لتقلب “يوشيفيد ليفشيتز” كل الرواية الإسرائيلية الكاذبة، بل لتشعل الوسط الصهيوني والعالمي بكلمات أحدثت انقلاباً حقيقياً في وصفها للمعاملة التي تلقتها بعد الأسر، وتضع ببضع كلمات إشارات التشكيك وربما القضاء على الحملة الإعلامية الضخمة حول العالم التي ينفق عليها الكيان أموالاً طائلة لإلصاق صفة الإرهاب الوحشي بالمقاومة الفلسطينية.
لم تكن تتوقع سلطات الكيان أن يأتي كلام الحق من عقر الدار وهي التي اشتغلت عقوداً من الزمن لتبرير أسباب تواجدها وحربها على أصحاب الأرض. لذلك إن ما نطقت به تلك الأسيرة في المؤتمر الصحفي يمثل لحظة تاريخية في منظومة الدعاية الصهيونية، لأن ما قالته لم يكن ما يريدون سماعه في الداخل الإسرائيلي ولا حتى معظم المحابين للرواية الرسمية الإسرائيلية، ولهذا حاول الكثيرون الطعن في مصداقية كلامها والتشكيك بأهليتها العقلية، لكن ذلك لم يعد ينفع لأن ما قالته من كلام صدق وحقائق من مصدر أصلي وموثوق حول حالة الأسر التي احتجزت فيها وقع أثره الكبير في النفوس، وشكل انعطافة كبيرة جداً في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع الفلسطيني- الصهيوني، وتحديداً تجاه اليهود الذين استجلبوا من أصقاع الأرض وتم إسكانهم في فلسطين تحت وعود “الحج الكبير” و “أرض الميعاد” وغيرها من التسميات الصهيونية، لتظهر أنها وعود تلمودية كاذبة عبّرت عنها الأسيرة بكلمات بسيطة بعد ما رأت بأم العين الحقيقة التي عاشتها بنفسها دون سواها، ولتؤكد لكل من شاهدها وسمعها أن تجربة الأسر التي عاشتها لا ترتبط جدلاً ولا حتى عكساً، ولا يجب أن يتوافق ما مرت به مع متطلبات الدعاية الإسرائيلية بل مع الحقيقة وحدها، وما حدث بالفعل.
لقد كان وقع كلماتها على مسامع قادة الكيان الصهيوني أشبه بالطوفان الذي أفقد المتطرفين عقولهم، وأثار جدلاً واسعاً وحالة من الغضب بين الجمهور الإسرائيلي، وبخاصة اليهود المتطرفين، فالضربة كانت من حيث لا يحتسب الكيان الإسرائيلي، وجاءت موجعة ومؤثرة بعدما تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي والصحف ووسائل الإعلام الكثيرة. صحيح أن الحالة النفسية، بسبب إطلاق سراحها، لعبت دوراً فيما قالته من معاملة جيدة لدرجة أنها صافحت سجانها-لأنهم عاملونا بلطف شديد- من باب الإنسانية، وليس من باب المحبة، لكن للحقيقة والتاريخ كانت خطوة ذكية من قبل المقاومة تسجل لها في مجال الدعاية إلى جانب عملها البطولي، إذ أن العلاج الطبي والمعاملة الجيدة التي تلقتها يُنظر إليها أيضاً على المستوى السياسي على أنها ضرر لصورة “إسرائيل”، وكذلك إضعاف وتقويض لجهود الدعاية الصهيونية، فتحرير المقاومة لأربع نساء لدواعي إنسانية دون أي مقابل، والتصريحات للمحتجزة المحررة، أسهما في منح الشرعية للرواية الفلسطينية وتقويض الرواية الإسرائيلية وإضعافها في جميع أنحاء العالم لتسجل المقاومة أيضاً انتصاراً في المعركة النفسية والإعلامية، ودحض وإضعاف المزاعم الإسرائيلية، وتسجيل إنجاز إضافي يضاف إلى الانجازات الميدانية وما تخفيه الأيام من مفاجآت مقابل الكيان الإسرائيلي.