اقتصادصحيفة البعث

دعم مُشوّه!

حسن النابلسي

أضحت السياسات الاقتصادية بلا شك بحاجة إلى إعادة نظر بعد مرور عقود من الزمن على اعتمادها في القطاعات كافة، ما يستوجب بالضرورة الاشتغال على تصويبها في هذه المرحلة الضاغطة ليس على الاقتصاد السوري فحسب، بل على الاقتصادات العالمية، بسبب ما ينتاب العالم من توترات عسكرية وسياسية.

وإذا ما تحدثنا في هذا المقام عن سياسية الدعم، فنعتقد أن ثمة إجماع على فشلها، وتحديداً لجهة عدم إيصال الدعم الفعلي لمستحقيه، والذي بدا يتضح جلياً خلال سنوات الأزمة، فرغم أن الدولة أولت اهتماماً خاصاً بالدعم الاجتماعي، إلا أن صيغة هذا الدعم لم تخرج عن “دعم الاستهلاك”، وبالتالي من الطبيعي ألا يحقق مبتغاه، لأن دعم الاستهلاك يفيد من يستهلك أكثر، أي يفيد المقتدر مالياً وليس ذوي الدخول المتدنية!

ولعلّ لغة الأرقام خير ما نستشهد به في هذا السياق..  ففي بحث اقتصادي للباحث إيهاب اسمندر، سبق وأن تناولناه، يتبيّن أن استهلاك الفرد الواحد للمحروقات في العشر الأغنى من السكان (أي ما نسبة 10%)،  يعادل 50 ضعفاً لاستهلاك الفرد الواحد في العشر الأفقر. وبالتالي، في حال رفع الدعم عن المحروقات، فإن الأغنياء هم من سيتحملون تكلفة هذا الارتفاع لصالح إصلاح المالية العامة للدولة وإعادة توزيع الدعم بما يتناسب مع ذوي الدخل المحدود، وأصحاب الإنتاج الحقيقي، ما يؤدي بالضرورة لتحسين مستوى معيشتهم، وهذا يعني أن إجراءات الدعم غير واضحة حالياً، بدليل أن استهلاك معظم المواد المدعومة، ولاسيما المحروقات، والتي تكلف الحكومة مبالغ طائلة، متباين حسب الحالة المادية للسكان!

إذاً.. الأمر يتطلب برنامج دعم علمي وموضوعي يدار بطريقة تخصصية من قبل جهة مسؤولة عنه، فعندما تحدد الحكومة سعر البنزين المدعوم بـ 8000 ليرة سورية لسيارات الأجرة (التاكسي)، يتم تعاطي السائقين مع الركاب لجهة تحصيل التعرفة بناء على سعر هذه المادة في السوق السوداء، أو سعرها في محطات الأوكتان، والبالغ حوالى 13500 ليرة، يضاف إلى ذلك وجود بعض التعقيدات ولاسيما تلك المتعلقة بحساب قيم مدخلات بعض المواد المدعومة؛ فربطة الخبز، على سبيل المثال، مدعومة كمنتج نهائي بسعر 200 ليرة سورية، ولكن في نفس الوقت مدخلات ومستلزمات إنتاجها من دقيق وكهرباء ومازوت هي بالأساس مدعومة أيضاً، وبالتالي من الصعوبة معرفة قيمة الدعم الحقيقي للخبز!

وإذا ما أرادت الحكومة تصويب مسارات الدعم الاجتماعي، فإن عليها اعتماد شبكات الأمان الاجتماعي الكفيلة بتقديم الحد الأدنى من المستوى المعيشي لمن هم تحت خط الفقر، بحيث يتم تأمين الدخل الأساسي للأشخاص في سن العمل وغير القادرين على كسب دخل كاف، ولاسيما في حالات المرض والبطالة والأمومة والإعاقة!