هيئة المنافسة ومنع الاحتكار.. تبعية تعزز تناقض المهام مع “حماية المستهلك”
دمشق – إبراهيم مخلص الجهني
القليل من السوريين يعرفون أنه يوجد هيئة تُعنى بالمنافسة ومنع الاحتكار، فغالبية المواطنين لا يسمعون بقانون المنافسة ومنع الاحتكار الصادر في عام 2008 بالإضافة لوجود هيئة عامة متخصّصة اسمها “الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار” يديرها مجلس اسمه “مجلس المنافسة”.
مديرُ عام الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار جليل إبراهيم بيّن في حديثة لـ”البعث” دور الهيئة في ضمان وجود بيئة تنافسية صحيحة في الأسواق، وذلك عبر تطبيق أحكام قانون المنافسة وفق تحديد القواعد المنظمة لحرية المنافسة وضبط الالتزامات الموضوعية على كامل المنتجين والتجار ومقدمي الخدمات والوسطاء الآخرين والرامية إلى درء كل ممارسة مخلة بقواعد المنافسة والقضاء على الممارسات الاحتكارية وضبط عمليات التركيز الاقتصادي ومراقبتها.
وأشار إبراهيم إلى التحديات التي تواجهها الهيئة في عملها، حيث أكد على انعدام مفهوم وثقافة المنافسة لدى القطاعين العام والخاص وعلى كافة المستويات، ولاسيما لدى معدّي التشريعات والسياسات الاقتصادية، واختلاف المفاهيم والأهداف بين قانون المنافسة ومنع الاحتكار وبعض القوانين الأخرى المعنية بالرقابة أو بممارسة الأنشطة الاقتصادية، بالإضافة لانتهاج بعض السياسات تماشياً مع الظروف الراهنة (سياسة الترشيد، الأسعار الاسترشادية، الحصرية، التمويل، العودة عن سياسة تحرير الأسعار إلى سياسة تحديد الأسعار وهوامش الأرباح) التي عطلت المنافسة وحدّت من عمل الهيئة، وأضاف: لا يخفى على أحد الحصار الاقتصادي أو محدودية عدد المورّدين للسوق لبعض المواد منحهم قوة سوقية حدّت وقيّدت المنافسة النشطة، وعدم تعاون أغلب الجهات الحكومية مع الهيئة لإنفاذ القانون (تيسير العمل، تقديم البيانات والمعلومات، التأخر في الرد على المراسلات.. إلخ)، وفقدان الهيئة لجزء من الكادر الفني النوعي المؤهل.
ومن جهة أخرى، أشار المدير العام إلى أنه يمكن التعامل مع هذه العقبات من خلال تأمين وتفعيل المنافسة في بيئة العمل (إنتاج- تجارة- خدمات) ما بين الفعاليات الاقتصادية المتمثلة بالمنتج أو المستورد من طرف والصناعي أو التاجر أو الموزع من طرف آخر، والمساهمة في التحول الاقتصادي لسورية ما بعد الحرب من خلال إنفاذ قواعد وسياسات المنافسة الحرة وحمايتها في أرجاء الجمهورية العربية السورية للاتجاه نحو اقتصاد حرّ مفتوح لتعزيز النمو الاقتصادي، والعمل مع كافة الشركاء الاقتصاديين لضمان تقيد جميع المؤسسات بممارسات المنافسة الحرة والشفافة والعادلة من خلال تطبيق أحكام قانون المنافسة.
وعن الدور الذي تلعبه الهيئة في منع حالات الاحتكار والممارسات غير العادلة بيّن إبراهيم أن الاحتكار من وجهة نظر قانون المنافسة هو أن شخصاً ينتج السلعة ويستحوذ على نسبة 100% من السوق، أما الاحتكار من وجهة نظر قانون حماية المستهلك هو السيطرة على نسبة 40% أو 60% من السوق، وقانون المنافسة السوري لا يتحدث عن هذا المفهوم فهو يجرم الممارسات الاحتكارية وليس الاحتكار، بمعنى أن المنتج قد يكون محتكراً لسلعة لقيامه بإنتاجها بشكل جيد ومطور بخبرات عالية، وبالتالي القانون لا يعاقبه إلا في حال قيامه بممارسات احتكارية تضرّ السوق، موضحاً أن هذه الممارسات تتمثل في أمرين، الأول تثبيت أو فرض أسعار أو شروط إعادة البيع، والثاني في التصرف أو السلوك المؤدي إلى عرقلة دخول مؤسسات أخرى إلى السوق أو إقصائها منه أو تعريضها لخسائر جسيمة.
وحول ما قامت به الهيئة للحدّ من الاحتكار وتعزيز المنافسة خلال سنوات الحرب أكد إبراهيم أن الهيئة تقوم بجولات ميدانية دورية لرصد الأسواق المحلية للوقوف على واقع بعض السلع والمواد والخدمات من حيث توافرها وآلية تأمينها وحلقات الوساطة التجارية وممارسات المنتجين والموزعين لها ومدى توافقها مع قانون المنافسة والتطورات الطارئة فيها، أو تغيّر واقع بعض السلع نتيجة صدور قرارات أو تسعيرات جديدة، وإجراء دراسات لبعض المواد التي تهمّ الحياة المعيشية اليومية للمواطنين وإرسال النتائج والمقترحات إلى الوزارة لرفعها للجهات المختصة لتأمين المواد والمحافظة على استقرار أسواقها، ومعالجة الشكاوى المخلّة بقانون المنافسة الواردة للهيئة أياً كان مصدرها، ودراسة للمؤشرات الأولية عن الممارسات غير المتوافقة مع قانون المنافسة، ودراسة الأثر التشريعي لعدد من التشريعات وتأثيرها على المنافسة.
ولم يخفِ إبراهيم التناقض الحالي في مهام الهيئة وخاصة لجهة تحرير السوق، في الوقت الذي تتبع فيه لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي وبحكم عملها وقوانينها ونظام العمل فيها، فهي تحدّد الأسعار بالتالي هناك تناقض في المهام، حيث أشار إلى أن اتباع الهيئة لسلطة الوزارة قيد سلطة المنافسة ذات الصبغة القضائية والتفتيشية، لأنها تخضع حكماً للأولويات التي تحدّدها الوزارة، ولاسيما أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك هي لاعب اقتصادي أساسي في السوق في الوقت الحاضر مما يجعل سلطة المنافسة أداة خاضعة لسلطة الوزارة.