مجلة البعث الأسبوعية

أدخلت محاصيل جديدة.. واستهدفت زراعة 4.5 مليون هكتار منها 1.50 مليون بالأشجار المثمرة.. تسعة معايير استندت عليها الخطة الإنتاجية الزراعية 2023- 2024

البعث الأسبوعية – قسيم دحدل

من المسلم به أن الأزمة التي مرت على سورية ولا زلنا نحاول إصلاح تبعاتها وفقاً للمعطيات الجديدة، أدت إلى تغييرات نسبية في كل القطاعات الاقتصادية عامة، وفي القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني خاصة، الأمر الذي أدى بدوره لإعادة حساباتنا الاقتصادية وبالتالي حساباتنا التخطيطية انطلاقا من الواقع الجغرافي المؤقت الذي فرضته الأحداث، وهذا الواقع المؤقت تطلب تعاطياً ليس جديداً بل تعديلاً ضرورياً لأجندتنا الزراعية وفقاً لأولويات أمننا الغذائي.

ولعل الجديد في الخطة الزراعية لموسم 2023- 2024 التي أعدتها وزارة الزراعة بالتعاون والمشاركة مع كل الجهات ذات الصلة سواء كانت عامة أو خاصة، إدخال محاصيل (العدس والفول والبازلاء) ضمن المحاصيل الإستراتيجية.

كما وتضمنت الخطو الزراعية للموسم المذكور، التخطيط للمحاصيل الإستراتيجية كـ(القمح والقطن والشوندر) والرئيسية كـ(الشعير والبطاطا والبندورة والذرة الصفراء)، وأيضا التخطيط للمحاصيل الصناعية كـ(التبغ والقطن والشوندر)، وكذلك لبقية المحاصيل على مستوى المجموعات النباتية (البقوليات الغذائية والمحاصيل الزيتية والطبية العطرية والخضار الشتوية والصيفية والرعوية)، وهذا إلى جانب تحديد نسب التكثيف في الزراعة المروية وفق الموازنة المائية المعتمدة من قبل وزارة الموارد المائية.

9 معايير

والملفت أن الخطة كانت من المرونة – دون المساس بالاستراتيجي فيها – بحيث أتاحت الخيارات أمام الفلاح لزراعات أخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في منطقة الغاب يمكن للفلاحين زراعة أي محصول من المحاصيل الواردة ضمن مجموعة المحاصيل والخضار الصيفية والتكثيفية (الذرة والقطن والبندورة والبطاطا عروة صيفية)، إذ يمكن للفلاح – ولتحقيق الدورة الزراعية – أن يزرع أياً من هذه المحاصيل والخضار ضمن دورة زراعية ثنائية أو ثلاثية، ولأجل ذلك ومراعاة للمتطلبات والاحتياجات لم يتم التخطيط ضمن الخطة الإنتاجية الزراعية لموسم 2023- 2024، لزراعة الشوندر السكري بسبب عدم التزام الفلاحين بزراعة المساحات المخططة وعدم كفاية الإنتاج لتشغيل المعمل، إضافة إلى عدم جاهزية معمل سكر تل سلحب للعمل بكفاءة إنتاجية عالية، وعليه تم السماح للفلاحين بزراعة محاصيل (القمح والبطاطا والبصل والتبغ واليانسون والجلبانة والكمون وحبة البركة..إلخ)، واعتبار تلك المحاصيل بدائل زراعية قابلة لإدراجها بالدورة الزراعية وبكفاءة.

الخطة الإنتاجية الزراعية للموسم آنفة الذكر استندت إلى أسس تمثلت بـ 9 معايير فنية وأولها إستراتيجية القطاع الزراعي 2021- 2030، المعتمدة وفق نتائج ملتقى القطاع الزراعي (تحديات وفرص)، وعلى إستراتيجية سورية ما بعد الحرب، وعلى المرسوم 59 لعام 2005 وتعليماته التنفيذية، كما واعتمدت على حسابات مناطق الاستقرار الزراعي والدورات الزراعية المحددة على مستوى مناطق الاستقرار والميزان السلعي وميزان استعمالات الأراضي والموازنة المائية المخصصة للاستثمار الزراعي، وأخيرا القوانين والأنظمة النافذة الخاصة بإدارة الأراضي وإدارة الموارد المائية وحماية المناطق الحراجية وإدارة واستثمار أراضي البادية.

5 تقارير و96 برنامجاً

وفي هذا السياق من الجدير ذكره، أن وزارة الزراعة أعدت إستراتيجية لقطاع الزراعي 2021- 2030، استنادا لنتائج الملتقى المذكور، بعد حوار تفاعلي مع كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والبحثية والجامعات والاتحادات والنقابات والمنظمات المحلية والدولية ومكاتب الدراسات والخبراء والمختصين على مستوى المحافظات، حيث خلص هذا الحوار التفاعلي إلى إعداد 5 تقارير علمية وفنية: (تقرير الإنتاج النباتي، تقرير الإنتاج الحيواني، تقرير الموارد الطبيعية، تقرير التنمية الريفية، تقرير التسويق الزراعي، وهذا الأخير لا يزال نقطة ضعف قطاعنا الزراعي)، كذلك تم خلالها تحليل الواقع الراهن للقطاع الزراعي في كل محور من هذه المحاور وتحديد المشكلات والصعوبات التي تواجه القطاع وتحول دون تحقيق معدلات النمو المخططة له (لمرحلة ما قبل الحرب، فترة سنوات الحرب، مرحلة ما بعد استعادت الأمن والاستقرار إلى الأراضي الواقعة تحت سيطرت الدولة)، ووضع 96 برنامج عمل لمعالجة ورسم ملامح المرحلة المقبلة حتى عام 2030. وبناء على ما سبق تم وضع إستراتيجية القطاع بحيث تم اعتماد 63 مشروعاً تضمن كل منها الأنشطة والبرنامج الزمني اللازم لتنفيذ كل منها والجهات المكلفة بتنفيذها (من المديريات المختصة بالوزارة بالتعاون مع الوزارات والاتحادات ذات الصلة)، والتي بُدء بتنفيذها منذ تاريخه ضمن الخطة الزراعية والاستثمارية لوزارة الزراعة وبرنامج التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية.

وفقا لدراسة ولجان

ليس هذا فحسب بل كان هناك دراسة (برنامج سورية ما بعد الحرب) اعتمدها مجلس الوزراء عام 2019، بعد إعدادها من قبل هيئة التخطيط والتعاون الدولي، تضمنت تحديد الاستراتيجيات والسياسات المعتمدة لكافة القطاعات، ومنها القطاع الاقتصادي الذي يشمل (الزراعة والتجارة الخارجية والداخلية والمالية والصناعية وغيرها) والربط فيما بينها لتحديد مسار الاقتصاد السوري وتلبية احتياجات السكان من الغذاء والتجارة الداخلية والخارجية والصناعة والقوى العاملة.

ولضمان التنفيذ القانوني للخطة الزراعة السنوية اعتمدت الوزارة على المرسوم  59 وتعديلاته، بحيث يتم تنظيم الإنتاج الزراعي بالتنسيق مع الجهات المعنية بعد إقرارها من قبل مجلس الوزراء والتي تتضمن إضافة لتنظيم الإنتاج، زيادة مردودية وتحسين نوعيته وتحديد الالتزامات على المستثمرين وعلى الدولة ومؤسساتها لتنفيذ الخطة، حيث يعمل المجلس على إقرارها في ضوء السياسات العامة للدولة وبشكل خاص تحديد المساحات ومعدلات الإنتاج وتحديد أسعار الشراء للمنتجات التي سيتم تسويقها من المؤسسات الحكومية وتحديد مستلزمات الإنتاج وأسعار بيعها وتحديد دور مختلف الجهات في تنفيذها وتحديدي سياسات التمويل والتسويق وتوفير وسائل الدعم لها وتتبع تنفيذها، حيث يتم تنفيذ العمل من خلال تشكيل 4 لجان، تشكيل لجنة الخطة برئاسة وزير الزراعة وعضوية الجهات ذات الصلة، وتشكيل لجنة زراعية فرعية في كل محافظة برئاسة المحافظ، وتشكيل لجنة زراعية في كل منطقة برئاسة مدير المنطقة ولجنة مكانية برئاسة ممثل السلطة المكانية.

وفق المناطق

الخطة الزراعية التي أعدتها الوزارة، قسمت المناطق الزراعية حسب مستويات معدلاتها المطري واستقرارها المائي وخصوبة التربة، فخلصت إلى 5 مناطق: حيث بلغت مساحة منطقة الاستقرار الزراعي الأولى 2701 ألف هكتار أي تشكل 14.6% من إجمالي مساحة سورية، وفيها يمكن ضمان موسمين كل ثلاث سنوات، بينما منطقة الاستقرار الثانية فتبلغ 2475 ألف هكتار وتشكل 13.3% من المساحة، وفيها يمكن ضمان موسمين كل ثلاث سنوات، في حين تبلغ مساحة المنطقة الثالثة 13.3 ألف هكتار و تشكل 7.1 من المساحة، وفيها يمكن ضمان 1- 2 موسم ككل 3 سنوات، أما المنطقة الرابعة فتبلغ 18.30 ألف هكتار وتشكل 9.9%، وتصلح للشعير والمراعي، وأخيراً منطقة البادية والسهوب، وتبلغ 10209 ألف هكتار وتشكل 55.1%.

وفقا لما سبق ولنتائج البحوث العلمية الزراعية تم تحديد الدورات الزراعية الملائمة للزراعة في كل منطقة استقرار: (للزراعات البعلية والمروية) و( للمحاصيل والخضار الصيفية والشتوية) و( لزراعة المحاصيل والخضار والأشجار المثمرة والحراجية، وللزراعات الرعوية)؛ وفيما يتعلق بالمحاصيل والخضار الشتوية والصيفية تم تحديد الدورات الزراعية كالآتي: دورة ثنائية (زراعة محصولين متعاقبين مثال القمح والحمص أو العدس)، وفي حال تضمنت الدورة زراعة محصول درني كالشوندر فيمكن زراعة أي محصول درني بديل كالبطاطا – البصل- الجزر. دورة ثلاثية (زراعة 3 محاصيل متعاقبة مثل القمح – القطن أو الذرة أو الخضار- حمص أو عدس)؛ أما في الأراضي ضعيفة الإنتاجية للزراعات البعلية فيتم زراعة محصول نجيلي (قمح – شعير) وتترك الموسم التالي بدون زراعة وتسمى سبات، وفي حال الأراضي البعلية الجيدة فتطبق دورة زراعية ثنائية (محصول قمح أو شعير – يليه محصول بقولي جمص أو عدس). وهنا من المفيد الذكر أنه ومنذ إعداد الخطة الإنتاجية الزراعية عام 2005 تم اعتماد مبدأ التخطيط التأشيري بحيث تم وضع الدورات الزراعية على مستوى المجموعات النباتية بهدف تحقيق الدورات الزراعية النمطية التي تضمن الإنتاجية والحفاظ على خصوبة التربة: (مجموعة المحاصيل النجيلية القمح والشعير) – (مجموعة البقوليات الغذائية، العدس، الحمص، الفول) – (مجموعة المحاصيل العلفية والرعوية، الجلبانة، الزرة العلفية) – (مجموعة المحاصيل الزيتية، عباد الشمس، فول الصويا) – (مجموعة النباتات الطبية والعطرية، يانسون، كمون وحبة البركة) – (مجموعة المحاصيل والخضار الشتوية، القمح والشعير والشوندر والتبغ والبصل والبطاطا عروة خريفية وربيعية) – (مجموعة المحاصيل والخضار الصيفية والتكثيفية، الذرة والقطن والبندورة والبطاطا عروة صيفية)، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المساحات التي يتم تنفيذها بالنسبة لهذه المجموعات من قبل الفلاحين، تعتمد على العرض والطلب وعلى الاستيراد والتصدير وعلى تكاليف الإنتاج الزراعي والعائد من الزراعة، وكذلك على مدى توفر مستلزمات الإنتاج والخبرة.

اعتماد “الميزان السلعي”

كما وراعت الخطة في إعدادها موضوع “الميزان السلعي”، والذي يعرف بأنه مجموع كميات الإنتاج الزراعي المنتجة محليا وكميات الإنتاج الزراعي المستوردة ناقص الصادرات وتحديد المتاح منها للاستهلاك المحلي، معتبرة أن هذا الميزان ضرورة لتحديد خطة الصادرات والواردات لتوفير احتياجات السكان من الغذاء، ويتم الاعتماد عليه لتحديد سياسات الدعم للتوجه نحو دعم منتج زراعي محدد لتغطية العجز في إتاحة المادة للمستهلك المحلي، ولتوفير حاجة الصناعة من المواد الأولية للصناعات التحويلية والصناعات الغذائية.

وبالنسبة لميزان استعمالات الأراضي فتم تقسيم المذكورة لثلاثة أنواع: أراضي قابلة للزراعة وغير قابلة، وأخرى للمروج والمراعي والحراج، وضمن القابلة تتوزع الأراضي إلى مستثمرة زراعيا وغير مستثمرة، وضمن المستثمرة يتم تحديد المساحات التي ستخصص للزراعة سنويا بما يحقق توفير الإنتاج الزراعي من المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية التي تلبي احتياجات السكان من الغذاء، واحتياجات الصناعة والتجارة الداخلية والخارجية.

وبحسب تلك المعطيات فقد بلغت المساحات المخطط زراعتها لموسم 2023-2024 نحو 4.5 مليون هكتار منها 1.50 مليون هكتار مزروعة بالأشجار المثمرة والباقي يتم زراعتها بالمحاصيل والخضار الشتوية والصيفية، ووفقا للموازنة المائية التي تبين المساحات التي يمكن زراعتها بشكل مروي، يتوضح أن إجمالي الموارد المتاحة للاستخدام يبلغ 16 مليار م3 سنويا، يخصص نحو 85% منها للزراعة، وعليه أن المواءمة ما بين المساحة المتاحة للإنتاج الزراعي والموارد المائية من مصادرها الدائمة والمتغيرة تتناسب طردا، يضاف إلى ذلك ما يسمى بالمساحات الآمنة للاستثمار الزراعي والكميات الآمنة من المياه، وضمن هذا التكامل يتحدد مستقبل أمننا الغذائي.

ولضمان تأمين الغذاء تعمل وزارة الزراعة على توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي، من خلال روزنامة للموسم الزراعي الذي يليه (تتضمن تحديد المستلزمات الزراعية المطلوب تأمينها ضمن برنامج كمي ومادي وزمني على مستوى الشهر لضمان تنفيذ الخطة، حيث سيتم في شهر شباط من العام القادم 2024 إعداد الروزنامة الزراعية بتأمين احتياجات الموسم الزراعي 2024- 2025 على أن تكون متاحة للاستخدام من 1- 10- 2024) لتمكين الوزارات والجهات المعنية من اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي في مواعيدها.

Qassim1965@gmail.com