هل ستساعد قمة شي – بايدن على استقرار العلاقات؟
هناء شروف
اجتذب الاجتماع بين شي جين بينغ والرئيس الأمريكي جو بايدن في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة اهتماماً عالمياً في ظلّ الوضع السياسي والاقتصادي الدولي المضطرب.
في 15 تشرين الثاني من العام الماضي عقد شي وبايدن اجتماع قمة في بالي بإندونيسيا وتوصلا إلى “توافق بالي” الحاسم. الجزء الأهم كان أن الولايات المتحدة وافقت على احترام النظام الصيني وعدم السعي لتغييره وعدم السعي إلى تنشيط التحالفات ضد الصين وعدم دعم “استقلال تايوان”. واتفق رئيسا الدولتين أيضاً على الحفاظ على خطوط الاتصال في مجالات الدبلوماسية والاقتصاد والتجارة والمناخ والصحة العامة والزراعة والأمن الغذائي والتبادلات الشعبية والثقافية.
من المؤسف أن الولايات المتحدة لم تفشل خلال العام الماضي في الالتزام “بتوافق بالي” فحسب، بل سارت في الاتجاه المعاكس مما أدى إلى سقوط العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في قاع عميق، وكان له تأثير ضار للغاية على الاستقرار العالمي.
على مدار العام الماضي كانت الولايات المتحدة استفزازية للغاية فيما يتعلق بتايوان وشينجيانغ وهونغ كونغ، وكان السماح للزعيمة التايوانية تساي إنج وين باستخدام المعبر الحدودي كذريعة للقاء رئيس مجلس النواب الأمريكي آنذاك كيفن مكارثي والزيادة الكبيرة في مبيعات وهدايا الأسلحة المتطورة لتايوان بمثابة مناورات فظيعة بشكل خاص.
كذلك فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها في مجال العلوم والتكنولوجيا حصاراً على صادرات الرقائق المتطورة وأدوات تصنيع الرقائق المتطورة إلى الصين في محاولة لخنق تطور التكنولوجيا الفائقة في الصين. واليوم تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها إجراء عمليات المراقبة والاستفزازات العسكرية في بحر الصين الجنوبي. والأمر الأكثر خطورة هو محاولة الولايات المتحدة “إضفاء طابع الناتو” على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، الأمر الذي يهدّد أمن الصين وسلامة أراضيها. ما ورد أعلاه ليس سوى عدد قليل من الإجراءات العدائية التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد الصين، لكنها كافية لإظهار أن العلاقات الأمريكية الصينية قد وصلت إلى مرحلة من التوتر الشديد.
ومع ذلك سلّطت التطورات الدولية الضوء بشكل أكبر العام الماضي على اتجاه “الشرق الصاعد” واستمرار النفوذ السياسي والاقتصادي لمنظمة “شانغهاي” للتعاون واتفاقية “الحزام والطريق” وآلية البريكس في النمو، حتى بات مفهوم “مجتمع عالمي ذو مستقبل مشترك” ونموذج “التحديث الصيني” يكتسبان المزيد والمزيد من الاهتمام في جميع أنحاء العالم.
وفي الوقت نفسه فإن الولايات المتحدة غارقة في الصراعات في أوكرانيا وغزة، وتضاءلت إلى حدّ كبير “القوة الناعمة” السياسية والأخلاقية التي تتمتّع بها الولايات المتحدة والغرب على الساحة الدولية، وخاصة في العالم العربي والعالم الإسلامي، كما أصبحت معزولة على المستوى الدولي على نحو متزايد. وهي أيضاً، تواجه مشكلات اقتصادية ومالية واجتماعية، ومشكلات ديون صعبة على المستوى الداخلي. ويعزى ذلك إلى صراع الحياة والموت بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري الذي كان سبباً في إصابة الحكم بالشلل تقريباً وأدى إلى تراكم التناقضات والانقسامات الداخلية وتفاقمها.
ومقارنة بالقضايا التي تواجهها الولايات المتحدة، فإن مشكلات الصين يمكن التحكم فيها نسبياً، وذلك لأن الصين تتمتّع بميزة وجود الزعامة القوية التي يتمتّع بها الحزب الشيوعي الصيني والحكومة القادرة ووحدة الشعب. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فعلى الرغم من أن إستراتيجيتها الأساسية المتمثلة في احتواء وعزل الصين، لم تتغيّر ومن غير المرجح أن تتغيّر، إلا أن هناك حوافز كافية لتحقيق استقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والصين على الأقل في المدى القصير واستعادة أو زيادة التعاون في بعض المجالات الاقتصادية والتجارية، وذلك لأن الولايات المتحدة قبل كل شيء تريد أن تمنع نفسها من تكبّد الخسائر بسبب أي تدهور إضافي في العلاقات بين البلدين، وتأمل في تقديم تنازلات طفيفة للصين بشأن القضايا غير الحاسمة، والحصول على تعاون الصين في المسائل الاقتصادية والتجارية والمالية. ولا ترغب الولايات المتحدة في فتح جبهة صراع أخرى بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب الصراعات المستعصية بالفعل في أوكرانيا وغزة.
بشكل عام جاءت نتائج اللقاء بين رئيسي الصين والولايات المتحدة متوافقة مع كلّ التوقعات وربما أفضل، وكحدّ أدنى اتفق رئيسا الدولتين على تعزيز وتقوية التعاون بين الصين والولايات المتحدة في مختلف المجالات، بما في ذلك إقامة حوار حكومي دولي حول الذكاء الاصطناعي، وإنشاء مجموعة عمل للتعاون الأمريكي الصيني في مكافحة المخدرات، واستعادة المستويات الرفيعة المستوى، والتواصل بين الجيشين على أساس المساواة والاحترام. كما اتفقا على زيادة الرحلات الجوية بشكل كبير في أوائل العام المقبل، وتوسيع التبادلات في مجالات التعليم والطلاب الدوليين والشباب والثقافة والرياضة ودوائر الأعمال وما إلى ذلك. كما أكد رئيسا الدولتين على أهمية الصين والولايات المتحدة في تسريع الجهود المشتركة لمعالجة مشكلة تغيّر المناخ في العقد الحرج الحالي.
لا شكّ أن استئناف أو تعزيز التعاون بين الصين والولايات المتحدة بشأن بعض القضايا العملية من شأنه أن يساعد في استقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، ومنع المزيد من التدهور في العلاقات، وهذا مفيد لكلّ من الصين والولايات المتحدة، ويخدم مصالح كل منهما ويفيد العالم.
لم تتمكّن الصين والولايات المتحدة من تحقيق أي تقدم في القضايا ذات الاهتمام الكبير، وخاصة في مجالات مثل تايوان والتكنولوجيا المتقدمة وبحر الصين الجنوبي. وفيما يتعلق بمسألة تايوان أشار الرئيس شي إلى أن مسألة تايوان كانت دائماً القضية الأكثر أهمية وحساسية في العلاقات الأمريكية الصينية ويتعيّن على الولايات المتحدة ألا تتخذ إجراءات ملموسة لدعم “استقلال تايوان”، ويتعيّن عليها أن تتوقف عن تسليح تايوان وأن تدعم بدلاً من ذلك إعادة توحيد الصين سلمياً.
طالما ظلّت الإستراتيجية الأمريكية الشاملة المتمثلة في احتواء الصين وإيذائها وعزلها دون تغيير، فإن العلاقات الأمريكية الصينية لا تزال بعيدة عن التفاؤل على المدى الطويل. ومع ذلك من المتوقع أن تتحسّن العلاقات الأمريكية الصينية في الفترة المقبلة. فالاجتماع أفضل من عدمه، وهو على الأقل يعبّر عن صدق الطرفين في استقرار العلاقات ويؤثر إيجاباً على الوضع السياسي والاقتصادي الدولي.