بين مبادرة الحزام والطريق ومبادرة القنابل والخراب
البعث الأسبوعية – قسم الدراسات
لاقت مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين قدراً كبيراً من الاهتمام في الآونة الأخيرة، وخاصة مع انعقاد منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي في بكين شهر تشرين الأول الماضي. حيث أصبحت مبادرة الحزام والطريق بالفعل منذ الإعلان عنها قبل عقد من الزمن، أكبر منصة في العالم للتعاون الدولي، والتي تشارك فيها أكثر من 150 دولة و30 منظمة دولية عبر القارات الخمس. لقد تم إنفاق أو الالتزام بمبلغ تريليون دولار على مشاريع تعمل على نحو متزايد على إحداث تحول في آفاق التنمية في عشرات البلدان في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط ومنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ.
إذا نظرنا إلى التاريخ الفعلي وواقع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يصبح من الواضح أن الولايات المتحدة لديها بالفعل مبادرة الحزام والطريق الخاصة بها، وهي مبادرة القنابل والخراب. حيث بدأت مبادرة القنابل والخراب بشكل جدي في عام 1950 مع اندلاع الحرب الكورية، والتي راح ضحيتها ما يقدر بنحو أربعة ملايين شخص. واستمرت المبادرة مع حرب فيتنام، والانقلاب في إندونيسيا عام 1965 ، والانقلابات والحروب بالوكالة في غواتيمالا وأنغولا والبرازيل وتشيلي وموزامبيق والأرجنتين ونيكاراغوا وغرينادا، على سبيل المثال لا الحصر.
كان المشروع الرئيسي لمبادرة القنبلة والخراب في هذا القرن حتى الآن هو الحرب غير الشرعية على العراق، والتي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين، لقد سويت البلاد بالأرض وتراجعت تنميتها لعقود من الزمن
في المقابل، اتخذت الصين نهجاً مختلفاً إلى حد كبير فيما يتعلق بالعراق، الذي يعد أحد المستفيدين الرئيسيين من الاستثمار في البنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق، حيث يتم بناء مجموعة واسعة من الجسور والطرق والسكك الحديدية، إلى جانب البنية التحتية للطاقة والاتصالات.
وفي العراق، فإن التناقض بين مبادرة الحزام والطريق ومبادرة القنابل والخراب واضح للغاية، لدرجة أن هناك مقولة شائعة: “أمريكا تقصف، والصين تبني”. ويرمز هذا التناقض إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة والصين في العالم بشكل عام.
لقد كانت الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً في إثارة وإدامة الحرب المدمرة على سورية، ودعم ظهور الجماعات الإرهابية في إستراتيجية محاولة تغيير الحكومة الشرعية في سورية، ثم استخدام وجود تلك الجماعات نفسها كمبرر لوجودها العسكري غير المشروع ، وفي سياق متصل لم يعد سراً أن الولايات المتحدة هي القوة الدافعة وراء الحرب في أوكرانيا، و إن الطابع الأساسي لهذا الصراع هو الحرب بالوكالة لإضعاف روسيا. وفي حرب “إسرائيل” الهمجية التي شنتها على قطاع غزة وبدعم كامل من الولايات المتحدة، لا تظهر “إسرائيل” أي اهتمام على الإطلاق بشعب غزة والتي أطلقت عليها الأمم المتحدة “مقبرة الأطفال”، حيث استشهد بالفعل أكثر من 12000 شخص.
إن شعوب العالم تريد وقف إطلاق النار،وقد دعت الصين وروسيا والبرازيل والعديد من الدول الأخرى إلى وقف إطلاق النار، لكن الولايات المتحدة، إلى جانب حليفتها، بريطانيا ، تقف حجر عثرة أمام تحقيق ذلك.
تتعرض الولايات المتحدة لانتقادات لعدم بناء البنية التحتية الكافية. ومع ذلك، تقوم الولايات المتحدة ببناء الكثير من البنية التحتية للحرب والعدوان، فهنالك 800 قاعدة عسكرية منتشرة في الخارج، كما نشرت صواريخ وطائرات حربية تعمل بالطاقة النووية في اليابان وغوام وكوريا الجنوبية، إلى جانب عشرات الآلاف من القوات الأمريكية، ونشر ما يسمى بنظام الدفاع الصاروخي” ثاد” في غوام وكوريا الجنوبية، إضافة إلى الاتفاق النووي الثلاثي “أوكوس” بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا.
إن الفارق الصارخ بين مبادرة الحزام والطريق في الصين ومبادرة الحزام والطريق في الولايات المتحدة واضح للجميع . إن الولايات المتحدة تنتهج مشروعاً إمبريالياً مهيمناً، مشروع لقرن أمريكي جديد. وهي تنشر الموت والدمار سعياً وراء مصالحها الاقتصادية والسياسية الأنانية. بينما تسعى الصين إلى تحقيق ما تسميه مجتمع المستقبل المشترك، الذي وصفه الرئيس شي جين بينغ بأنه “عالم مفتوح وشامل ونظيف وجميل يتمتع بالسلام الدائم والأمن العالمي والرخاء المشترك، ويرسم مستقبلاً مشرقاً للتنمية البشرية”.