دراساتصحيفة البعث

عشية قمة المناخ.. “لا تقع في فخ الدعاية لاستخدام الهيدروجين”

سمر سامي السمارة

وسط الاستعدادات لمؤتمر الأمم المتحدة للتغيير المناخي “قمة المناخ كوب 28” الذي يبدأ الأسبوع المقبل، حذّرت جمعية أصدقاء الأرض الدولية الرائدة في مجال البيئة مؤخراً، من أن الهيدروجين هو أحدث خدعة لكبار الملوثين، ولا يمكن تحمّل الوقوع في شركه، مضيفةً أنه يتمّ الترويج للهيدروجين كبديل “نظيف” للوقود الأحفوري المستخدم في التدفئة المنزلية، والنقل، والصناعات الثقيلة، وتوضح الورقة البحثية الجديدة للجمعية التي تحمل عنوان “لا تقع في فخ الدعاية الصاخبة لاستخدام الهيدروجين”، والتي وضعت قبل محادثات المناخ العالمية، أن إنتاجه مكلف، وغير فعال، وبعيد عن أن يكون حلاً لخفض انبعاث الكربون، ففي الواقع، غالبية إمدادات الهيدروجين العالمية مصنوعة من الوقود الأحفوري.

حامل الطاقة

يقوم الهيدروجين بتخزين ونقل الطاقة المنتجة من موارد مثل الكتلة الحيوية والوقود الأحفوري والمياه، لكن جمعية أصدقاء الأرض الدولية ترى أنه لا ينبغي الوثوق بوعود الصناعة بإمكانيات الهيدروجين.

تبدأ الورقة البحثية التي تقدّمها المجموعة بدحض فكرة “قوس قزح” الهيدروجيني، وتستشهد بما جاء في تقرير وكالة الطاقة الدولية على أنه: على الصعيد العالمي، يتمّ اشتقاق أكثر من 62% من الهيدروجين من الغاز الأحفوري، المعروف بالهيدروجين الرمادي، والهيدروجين الأزرق عندما يقترن باحتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، أو الهيدروجين الفيروزي عند استخلاصه من عملية الانحلال الحراري للميثان، ويأتي نحو 21% من الفحم والليغنيت أي الفحم الهيدروجين الأسمر أو البني، كما يتمّ إنتاج 16% كمنتج ثانوي في المصافي، و0.5% مشتق من النفط، في حين يتم إنتاج 0.1% فقط عن طريق التحليل الكهربائي للمياه، حيث يُستخلص الهيدروجين الأخضر من الكهرباء المتجدّدة، والأرجواني أو الوردي من الطاقة النووية”.

وفي حين أن بعض المجموعات تدعم الهيدروجين الأخضر، فإن الخبراء بما في ذلك جمعية أصدقاء الأرض الدولية، يؤكدون أنه يتطلّب كميات هائلة من الكهرباء المتجدّدة الرخيصة لتحقيق الغرض منه، ما يجعل العملية غير فعالة إلى حدّ كبير، كما يتطلب كميات هائلة من المياه، وهي مورد نادر وثمين على نحو متزايد، ولا ينبغي هدره، كما أن غالبية إمدادات الهيدروجين العالمية مصنوعة من الوقود الأحفوري.

وتؤكد الورقة البحثية للمجموعة، أن “الهيدروجين، الذي تدفعه صناعة الوقود الأحفوري نفسها التي تسبّبت في أزمة المناخ، ولا تزال تغذيها، هو حلّ زائف آخر، تبيعه الصناعة كحلّ سحري يسمح باستمرار العمل كالمعتاد، وأنه مثل الحلول الزائفة الأخرى، يمثل إلهاءً خطيراً عن التخفيضات العاجلة والعميقة والحقيقية للانبعاثات، الضرورية لمعالجة أزمة المناخ”.

لطالما قال علماء المناخ وخبراء الطاقة إنه يتعيّن على البشرية أن تتخلص بسرعة من الوقود الأحفوري لتجنّب آثاره الكارثية التي تتسبّب بارتفاع حرارة الكوكب، وتحقيق هدف اتفاق باريس المتمثل في الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية هذا القرن إلى 1.5 درجة مئوية. في السياق، كشف تحليل للأمم المتحدة مؤخراً، أن السياسات المطبقة حالياً تضع العالم على المسار الصحيح لارتفاع درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية بحلول عام 2100.

كما تشير ورقة الجمعية إلى أنه بالإضافة إلى دعم الملوثين من خلال تبرير المزيد من الغاز الأحفوري، فإن الهيدروجين يسمح للصناعة الأحفورية بترسيخ شريان حياة آخر لهذه الصناعة، كما تحذر مجموعات المناخ العالمية في الفترة التي تسبق انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ في الإمارات من احتجاز الكربون وتخزينه، وهو إصلاح تقني غير مثبت.

من غير المستغرب أن الهيدروجين، تماماً مثل الوقود الأحفوري وغيره من الحلول المناخية الزائفة، يعزّز الأنماط الاستعمارية الجديدة للاستخراج والاستغلال، حيث يتجاهل قطاع النفط والغاز المجتمعات والبيئة، وخاصة في الجنوب العالمي.

وفي بيان لمديرة حملة العدالة المناخية بجنوب أفريقيا يجيشني مودلي، قالت إن الأموال العامة في الجنوب العالمي، تُخصّص لدعم “الهيدروجين الأخضر” ولكنه يخدم المصالح الخاصة فقط، وبينما تتواطأ الحكومات مع الشركات في مشاريع البنية التحتية الضخمة، تكافح المجتمعات للحفاظ على أراضي أجدادهم وموارد المياه الشحيحة سليمة.

كما تشير الورقة إلى أنه مثل “الحلول الزائفة” الأخرى لحالة الطوارئ المناخية -بما في ذلك الهندسة الجيولوجية، والتعويضات، وما يُسمّى بالحلول القائمة على الطبيعة- بالإضافة إلى التكاليف الاجتماعية والبيئية غير المتناسبة، فإن الهيدروجين يأتي أيضاً بتكلفة مالية عالية.

وترى ليز ماسون، مسؤولة المناصرة في جمعية أصدقاء الأرض الدولية، أنه بدلاً من الرهان على تقنيات الهيدروجين غير المثبتة وغير الفعالة، نحتاج أن تضع الدول الغنية أموالها لخدمة التحول العادل للطاقة، وهو التحول الذي يضع السلطة في أيدي الناس، وليس الشركات.

الآن، تقوم بعض الحكومات بضخ الأموال لاستخدام  الهيدروجين، فقد أعلن الرئيس جو بايدن الشهر الماضي عن “استثمار تاريخي” يصل إلى 7 مليارات دولار في سبعة مراكز في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وهي الدولة التي ساهمت تاريخياً بأكبر قدر في ظاهرة الاحتباس الحراري التي يسبّبها الإنسان.

في الوقت نفسه، نجح لوبي الغاز في الاتحاد الأوروبي، في اعتماد العديد من التشريعات التي تروّج للهيدروجين، بما في ذلك التشريع الذي يسمح للأموال العامة بالذهاب إلى البنية التحتية للغاز الأحفوري طالما تمّ الوعد بأن تكون “جاهزة للهيدروجين” على الرغم من حقيقة أن أوروبا لديها بالفعل بنية تحتية للغاز أكثر من اللازم، وفق ما أوضحت الجمعية.

في بلجيكا، تشارك المفوضية الأوروبية وهايدروجين أوروبا وشراكة الهيدروجين النظيف في استضافة أسبوع الهيدروجين الأوروبي 2023، فمن تشيلي، إلى ناميبيا إلى جنوب أفريقيا، القصة هي نفسها، حيث لا تتمّ استشارة المجتمعات بشأن مشاريع الهيدروجين المخصّصة للاستهلاك الأوروبي مع تكاليف الحلول الزائفة، إذ يعتمد نظام الطاقة الحالي على الاستيلاء على المساحة والموارد والعمالة الرخيصة من الطبقة العاملة داخل وخارج الحدود الأوروبية، من أجل ربح شركات الاتحاد الأوروبي المتعدّدة الجنسيات والهيمنة الاقتصادية للدول الغربية.

في السياق نفسه، أكدت المجموعة، أن معالجة أزمة المناخ لا يمكن أن تأتي إلا من خلال تغيير نظامي عميق، وتفكيك النظام الرأسمالي الاستعماري الجديد والأبوي والليبرالي الجديد الذي خلق الأزمة، لبناء عالم أكثر عدلاً وإنصافاً للجميع.