زمن القرش..!
وائل علي
بين الملاليم التي كنا نعيش ونحيا وننعم بخيرها وبحبوحتها، وبين الملايين – إن توفرت – التي لم تعد تكفي لسد الرمق، وبات الجميع رهنَ لهاثِ تأمينها وجمعها لحفظ ما بقي من ماء الوجه ليس أكثر، وإكمال مشوار الحياة مع الحياة، ما الذي تغير؟ وما الذي جرى؟ وما الذي يحول دون استرجاع وعودة ذاك الزمن الجميل الذي تصفه أجيالًنا الجديدة بأنه كِذْبةٌ كبيرةٌ، لأنهم يجهلونه ولا يعرفونه، ولم يشعروا بوجوده، أو لم يمرّوا به، أو أنه من قصص ألف ليلة وليلة…!؟
أهي الحرب حقا التي أودت بنا ورمتنا على قارعة الزمن السحيق، ونقلتنا من حياة الربيع إلى حياة القطب المتجمد، بعد الفرز الخوارزمي الدقيق الذي حافظ وأبقى على أصحاب ياقات الحرير والجيوب المنفوخة والحسابات المفتوحة والصفقات المشبوهة، وألقى بِمن لا لزوم له على حافة الحياة…!؟
حتى الأمكنة والأشياء ووجوه الأقرباء والأصدقاء والعلاقات الإنسانية تغيرت وصارت موحشةً قاسيةً كي لا تبتلعها فلسفة القرش، فإلى متى سنظلُ على هذا المنوال، نجترُّ أحلامَنا ونشتهي أمانِيْنَا وتغيير واقعنا…؟
المشكلة أن تراجعنا وتقهقرنا يتفاقمان، والرهان على الأخلاق الحسنة وعلاقات الجوار والأحلاف وحدها لا يكفي. ولا بد أن تكون البداية من عندنا، من داخل البيت، وترميم التصدعات التي زلزلته عبر سلسلة من الإجراءات والتغييرات الجذرية لسياساتنا الحياتية اليومية، ومراجعة استراتيجياتنا الاقتصادية والنقدية والمالية والضريبية والإدارية والتعليمية.. إلخ، والإقلاع عن الخطابات الخشبية الذرائعية التي ترتدي قميص الحصار والعقوبات، وإلقاء “منة الدعم” التي نضرب بها صبح مساء!! ولنذهب مباشرة نحو أداء عصري قوامه المبادرات والكفاءات المبدعة ودعمها وتشجيعها وإبرازها وإطلاق حملة من المساءلات الشاملة العلنية الحازمة حتى تستوي وتستقيم الأمور، رغم أننا ندرك ونعرف جيداً أنها مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة أبدا.. لكنه زمن القرش..!!