وِجْهة
عبد الكريم النّاعم
جاء صديقي، ونظر إلى لباسي، فأدرك أنّني على أُهبة أن أغادر البيت، وهذا ما لم أفعله منذ زمن طويل، فقال: “عساه خيراً، فهل أنت خارج من المنزل”؟
قلت: “زهقت من نفسي ومن وحدتي”.
قاطعني قائلاً: “أنت لا تجلس دون كتاب، فعن أيّ وحدة تتكلّم”؟
قلت: “أحياناً أحتاج إلى مَن آنس به، ولقد اشتقتُ لمجالسة ذلك الشيخ الجليل”.
قال: “وأنا رفيقك إنْ لم يكن لديك مانع..”.
رحّب بنا الشيخ ببشاشة، ووجه مُطمئنّ رغم التجاعيد في وجهه، ما أن استقرّ بنا المجلس حتى بادر صديقي:
“أستاذنا الجليل، ألا تَرى أن ما نعانيه، ما يكاد يُشبهه شيء، فيما نعرف”؟
قال الشيخ: “حدّد الكلام”.
قال صديقي: “في الحرب العالميّة الأولى دُمِّرت بلدان بكاملها تقريباً، ولكنّهم بعد عشر سنوات تمكّن البعض منهم من النّهوض الذي أدى إلى الخروج ممّا كانوا فيه، وأعني تحديداً ألمانيا الغربيّة، واليابان، وها نحن قد مرّ أكثر من عشر سنوات على حريق الخراب العربي، ولم نستطع الخروج ممّا لحق بنا”؟ ويأتي ما يجري في الأرض المحتلّة.
تمهّل الشيخ قليلاً، وقال: “ثمّة ما لا يمكن إغفاله حتى لا نقع في مغالطات، ألمانيا دمّر الأمريكيّون بعض مدنها، رغم استسلام ألمانيا النّازيّة، لتنفيع شركات البناء الأمريكيّة،.. هذه وقفت أمريكا تدعمها بكلّ ما تستطيع لمواجهة الحلف الآخر، حلف البلدان الاشتراكيّة، وكان الصراع على أشدّه، كما أنّها دعمتْ اليابان للوقوف على رجليها لتشكّل سدّاً في وجه كوريا الديمقراطية، وفي مواجهة الصين الشيوعيّة، وما زال النفوذ الأمريكي قائماً هناك لدرجة أنّ ما يقرّره الأمريكان هو ما يلتزمون به. وألمانيا حتى بعد توحيدها، ورغم ما وصلتا إليه من تقدّم وازدهار، فليس لها بكاملها ما يشير إلى أنّها قد تخالف رغبة واشنطن، وأنت ترى ذلك في حجم التعويضات التي أُغدقت على الكيان الصهيوني وتأييده، وهي أموال أوصلت “إسرائيل” إلى مواقع ما كان لها أن تصل إليها لولا المليارات التي صبّت في خزانتها، باسم التكفير عن جرائم “الهولوكست” المزعومة. وليس لأوروبا قرار خاص بها، وليس لأمريكا فيما يتعلّق بقضيّة الصراع العربي الصهيوني قرار أمريكي، بل هو قرار منحاز للصهيونيّة.. وهكذا تتساند أمور قد لا تمتّ بصلة للمصلحة الخاصة بكل بلد، بيد أنّ هذا هو الواقع، وهذا كلّه يجعل المنطقة العربيّة، بما لها من جوار، مشمولة بالمطامع الصهيو أمريكيّة. ولا يخفى على أيّ متابع مدى النفوذ الصهيوني في مراكز القرار الأمريكي، وهذا هو بالذات ما جعل بلدانا عربيّة مستهدفة من خلال حريق الخراب العربي، وأخرى إمّا متعاونة علناً مع رغبة واشنطن وتل أبيب، أو صامتة بتأييد ضمني.
أنظر هذه الحرب التي شُنّتْ على سورية، وما يزال دخانها يغطي صفاء سماءاتنا، لا يُراد لها أن تنتهي، بل هم يؤجّجون نارها، ويتلاعبون بمكوّنات اثنيّة لتمزيق أكثر، وأعمق، فهل عرف العالم حصاراً أمريكياً لبلد كالذي تواجهه سوريّة، في أعتى الحروب التي خاضتْها واشنطن”؟!!
قاطعه صديقي: “هل أفهم من كلامك أنّك تسوِّغ تقصير من قصّر، بقصد، أو لعدم كفاءة، أو بتعاملات مشبوهة”؟
نظر الشيخ في وجه صديقي نظرة حادّة بأدب، وقال: “أيوجد عاقل يسوّغ لهؤلاء ما جرى من تحت أيديهم، أو بحضورهم؟!! اتّق الله يارجل”، وأودّ أن أضيف أنّ كلفة رفض ما تريده واشنطن هو أقلّ بكثير من موافقتها على ما تطلبه، لأنّ ما تطلبه يُخرج ملبّيه من دائرة الوطنيّة.
ورنّ الهاتف الأرضي فقام الشيخ..
aaalnaem@gmail.com