هل تجسّدت “وحدة الساحات” على الأرض بمعناها الشامل؟ “طوفان الأقصى” فرضت معادلة جديدة في الصراع
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
لا شكّ أن أكبر نتيجة لعملية “طوفان الأقصى” البطولية، كانت التأكيد أن الحرب مع العدو الصهيوني هي حرب وجودية، وليست حرباً آنيّة أو محدودة ضمن إطار زمني، فالمعركة بحدّ ذاتها هي امتداد للمعركة الأساسية مع الكيان الصهيوني الغاصب، ابتداء من النكبة ومروراً بالنكسة وحرب تشرين التحريرية، وليس انتهاء بحرب تموز عام 2006 التي كانت علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، حيث استطاعت جماعة صغيرة بالعرف العسكري فرض شروطها ليس فقط على الكيان الصهيوني بل على الغرب الحامي له مطلقاً، وتلك كانت الهزيمة الأولى تاريخياً للكيان الصهيوني على يد حركة من حركات المقاومة، ونحن الآن أمام الهزيمة الثانية على هذا المستوى.
وأهم إنجاز لهذه المعركة على الصعيد الاستراتيجي أنها أعادت الصراع إلى المربّع الأول، حيث تمكّنت هذه المعركة من إعادة ربط الأجيال الجديدة بقضيتهم الأساسية وهي القضية الفلسطينية التي عملت كل نظريّات التطبيع السابقة على جعلها من الماضي، تحقيقاً لفرضية تمكين هذا العدو المغتصب من أن يصبح كياناً طبيعياً في المنطقة، ومن هنا فإن الهزيمة الكبرى على المستوى الاستراتيجي كانت إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد جهد طويل أمريكي غربي بهدف تصفية هذه القضية وجعلها من الماضي.
ولكن ما ميّز عملية “طوفان الأقصى” على وجه الحقيقة عن غيرها من عمليات المقاومة أنها جسّدت نظرية “وحدة الساحات” على الأرض بمعناها الشامل والواسع، بعد أن كانت إلى وقت قريب تُفسّر على أنها وحدة للساحات بين قطاع غزة المحاصر والضفة والغربية، أي وحدة تجمع الفصائل الفلسطينية على مستوى الأراضي المحتلة فقط، غير أن دخول المقاومات الأخرى في المنطقة مباشرة على الخط على خلفية العدوان الصهيوني الهمجي على سكان غزة المدنيين، جعل المعركة متعدّدة الساحات، وخاصة مع بروز الدور الأمريكي والغربي الواضح في دعم الكيان الصهيوني والتغطية على جرائمه، فضلاً عن اشتراكه فعلياً في العمليات على الأرض ضد قطاع غزة المحاصر، وقد بدأت وسائل الإعلام الغربية تتحدّث بالتفصيل عن مشاركة القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية في هذا العدوان.
وهذا طبعاً دفع المقاومة العراقية إلى استهداف القوات الأمريكية المحتلة في العراق وسورية، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” عن إصابة نحو 70 جندياً أمريكياً في هذه الهجمات منذ بدء العدوان على غزة، وأعلن الأمين العام لكتائب حزب الله – العراق، أبو حسين الحميداوي، أن المواجهات مع القوات المحتلة للعراق لن تتوقّف إلا بتحريره، وهو “قرار لن نحيد عنه مهما غلت التضحيات”.
فبعد أيام من انطلاق ملحمة “طوفان الأقصى”، انطلقت عمليات المقاومة العراقية ضد القواعد الأميركية في العراق وسورية رداً على استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة بدعمٍ أميركي.
وأكّد الأمين العام لحركة المقاومة – النجباء – الشيخ أكرم الكعبي، أنّه “صار واجباً على الجميع إعلان الحرب على الولايات المتحدة وإخراجها ذليلةً من العراق”، مشدّداً على أنّه “لا عذر لأحدٍ بعد اليوم”.
وجدّد رئيس “تحالف نبني” في العراق، هادي العامري، تأكيده ضرورة إخراج القوات الأميركية وكل قوات التحالف الدولي من العراق فوراً، مشدّداً على أنّ بقاءها سيؤدّي إلى “مزيد من إراقة الدماء العراقية، وسيسبّب إرباكاً للوضع الأمني”.
كل ذلك دفع مجلة “ذي أميركان كونزرفاتيف” الأميركية إلى القول تحت عنوان “عارنا الوطني في العراق وسورية”: إنّ القوات الأميركية تخاطر بحياتها “بلا داعٍ” بسبب الشلل السياسي والافتقار إلى الشجاعة السياسية، مؤكّدة أن إبقاء القوات الأميركية في العراق وسورية “من دون مهمّة عسكرية واضحة” سيتسبّب بخسارة كارثية في أرواح الجنود الأميركيين، على نحو قد يتصاعد إلى حرب كبرى.
وشدّدت المجلة على أنّ الجانب الأكثر خطورة في الوجود العسكري الأميركي المستمر في العراق وسورية هو الخطر المتزايد، والمتمثل بـ”انجرار الولايات المتحدة إلى صراع إقليمي كبير آخر”.
وفي المقلب الآخر، أثار العدوان الصهيوني على قطاع غزة المدعوم غربياً، ردّ فعل عنيفاً من اليمن، حيث أعلنت القوات المسلحة اليمنية في الأيام الأولى رفضها للعدوان الإسرائيلي في غزة مطالبة بوقف الجرائم الإسرائيلية، وبعد أيام من انطلاق العدوان، أطلقت القوات اليمنية صواريخ بالستية ومسيّرات على “إسرائيل”، مرّاتٍ عدّة مساندةً للمقاومة الفلسطينية في التصدّي للاحتلال، بينما شهدت المدن اليمنية كافّة مسيراتٍ جماهيرية كبرى، دعماً لخيارات حركات المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته.
وفي الـ19 من الشهر الجاري، نجحت القوات البحرية اليمنية في احتجاز سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر، كان على متنها 52 شخصاً، بالتزامن مع تجديد القوات اليمنية، تأكيدها أنّ “عملياتها ستستهدف السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي أو تديرها شركات إسرائيلية أو يملكها أشخاص إسرائيليون”.
وتحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية، عن التهديد الاستراتيجي الذي يشكّله الموقع الجغرافي لليمن على “إسرائيل”.
وقال ما يسمّى رئيس مجلس “الأمن القومي” الإسرائيلي السابق، غيورا آيلند: من ناحية “إسرائيل” اليمن “هو تهديد استراتيجي فعلاً”، مضيفاً: “لا يبدو أنّ الأميركيين معنيون بهذا الأمر كما يلزم، ويفضّلون عدم القتال”.
وختم حديثه بأنّ “لدى إسرائيل مشكلة غزة والجبهة الشمالية، وإغلاق البحر الأحمر أمام “إسرائيل”، إضافةً إلى أمور أخرى يمكن أن تحدث، مثل الاشتباكات في الضفة الغربية”.
وتحدّث نائب رئيس الحكومة اليمنية لشؤون الدفاع والأمن، جلال الرويشان، عن الهدنة الحاصلة في قطاع غزة، قائلاً: “الهدنة تخصّ غزة والناطق العسكري أعلن أن قرارنا بإغلاق البحر الأحمر أمام العدو ما زال قائماً”.
أما على الجبهة اللبنانية، فقد دخلت المقاومة اللبنانية المعركة تخفيفاً للضغط عن الجبهة الفلسطينية، واستطاعت أن تجبر العدو على إخلاء المستوطنات الشمالية، كما تمكّنت من تدمير منظومة التجسّس والاتصالات التي ثبتها العدو باتجاه الأراضي اللبنانية، الأمر الذي أجبر الكيان الصهيوني على الدفع بعدد كبير من القوات إلى هناك كان يُفترض أن يشاركوا في العدوان على غزة، وبلغت خسائره هناك نحو 350 جندياً، وعدداً كبيراً من الآليات والدبّابات، فضلاً عن شلل تام في الاقتصاد الصهيوني الذي يتركّز أغلبه في الشمال، حيث قالت رئيسة لجنة مستوطنة “علما” في الجليل الأعلى المحتل، أورلي جربي: إنّ “الحياة أصبحت كابوساً بسبب قصف الجيش الإسرائيلي وصفارات الإنذار وإطلاق الصواريخ”.
وتحدّث الإعلام الإسرائيلي، في الآونة الأخيرة، كثيراً، عن وجود قلق إسرائيلي من جبهة الشمال مع حزب الله، مؤكداً أنّ هذه الجبهة هي “تحدٍّ ضخم” للاحتلال.
وقال العقيد في احتياط الاحتلال الإسرائيلي، كوبي ميروم: إنّ “إسرائيل في حرب استنزاف في الشمال”، مضيفاً: إنّ حزب الله هو الذي يُبادر، في حين أنّ “الجيش” الإسرائيلي في حالة دفاع.
كل ذلك يؤكّد أن عملية “طوفان الأقصى” البطولية وحّدت جميع الساحات ضدّ الكيان الصهيوني ومن يدعمه، ومثّلت سيناريو مصغّراً لما سيكون عليه المشهد إذا ما اندلعت حرب شاملة في المنطقة، وهذا بالضبط كان هاجساً أمريكياً غربياً طوال فترة العدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزة المحاصر، لأنه وضع القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة في مواجهة أخرى مع هذه المقاومات.