سورية شوكة في حلق واشنطن
طلال ياسر الزعبي
لا تزال سورية تشكّل العائق الأكبر أمام السياسات الأمريكية والصهيونية في المنطقة، وقد وجدت واشنطن نفسها مضطرة للتعبير عن ذلك صراحة في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، مظهرة نوعاً من هستيريا خاصة في تكرار اتهاماتها المبتذلة، ومعيدة إلى الأذهان حقيقة فشلها في الحرب الكونية التي شنّتها وتشنّها على سورية منذ ثلاثة عشر عاماً، بحيث لم تستطع السفيرة الأمريكية في مجلس الأمن إخفاء سخطها من عجز الإدارات الأمريكية المتلاحقة عن ليّ ذراع سورية وإجبارها على الاستسلام رغم استخدامها جميع الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتجريب أنماط الحروب المختلفة ضدّها، وتسخيرها فضاء واسعاً من البروباغندا لتشويه صورتها في العالم، لتجد أن نتيجة كل هذه السنوات الطويلة من الحرب والتشويه المتعمّد صفراً مثلّثاً.
والحقيقة أن الهزيمة الكبرى التي تعرّضت لها الولايات المتحدة مؤخراً في عدوانها على غزة عبر وكيلها الصهيوني “إسرائيل”، جعلتها مضطرّة للتعمية على ذلك من خلال عودتها لكيل الاتهامات الباطلة لسورية، في محاولة لصرف الأنظار عمّا ترتكبه من دعم للإرهاب الإسرائيلي، الذي يعدّ نظيراً طبيعياً للإرهاب وجرائم الحرب التي ارتكبتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة في فيتنام وأفغانستان والعراق وليبيا وسورية.
والحقيقة الساطعة التي وقف عليها العالم أجمع من خلال تكرار السفيرة الأمريكية اتهامات بلادها، هي أن سورية شكّلت، وما زالت، عائقاً أمام سياسات الهيمنة والعربدة التي تحاول فرضها على هذه المنطقة من العالم، وأنها تعمل ضمن منظومة عالمية كاملة لاستبدال النظام العالمي القائم بنظام آخر مبنيّ على العدالة والتسامح واحترام حقوق جميع الدول، بعيداً عن سياسات الهيمنة والتبعية التي تعمل واشنطن على تثبيتها في العالم.
فقد أدانت السفيرة الأمريكية بلادها عندما تعرّضت لنصّ المادة الـ51 من ميثاق الأمم المتحدة، وأثبتت أنها تتبع في سياساتها معايير مزدوجة، حيث إن الميثاق وقواعد القانون الدولي “لا يتضمّنان أو يبرران أو يمنحان مسوّغاً قانونياً لوجود القوات الأمريكية على الأراضي السورية دون موافقة حكومتها”، وبالتالي فإن استعراض الولايات المتحدة وتشكيلها “تحالفاً دولياً” لمحاربة “داعش” الذي أشرفت هي بنفسها على صناعته، وحمايته وتأمين التغطية السياسية والقانونية واللوجستية والمالية له، لارتكاب جرائمه على الأراضي السورية، إنما هو محاولة فاشلة للادّعاء بأنها تعمل ضمن إطار القانون الدولي، وهي فعلياً تعمل بشكل يومي على تدمير هذا القانون لإحلال نظامها الخاص المبنيّ على ما تسمّى “القواعد” محلّه، فواشنطن اعتدت على استقلال ووحدة الأراضي السورية، وهي تقوم يومياً بسرقة ثرواتها، فضلاً عن تحويلها قاعدة التنف إلى معسكر لتدريب الإرهابيين وإعادة توجيههم لارتكاب المجازر على الأراضي السورية والعراقية، وذلك كله خدمة لمصالحها ومصالح الكيان الصهيوني.
والحال هذا، فإن تغطية واشنطن مجازر الكيان الصهيوني في غزة، واعتداءاته على الأراضي السورية، إنما هي في الواقع ردّ فعل طبيعي منها على عجزها بعد كل هذا الوقت عن تركيع سورية وفلسطين معاً وفرض الاستسلام عليهما، فالقضية ستبقى حاضرة دائماً، وصمود سورية هو السبب الأساسي في ذلك، وهذا الواقع يعرفه القاصي والداني.