الرعب.. والسحر الأسود!
حسن حميد
دائماً، كان الرّعب هو الذي يملأ الغابات، وليس البراري المكشوفة، وكان السّحر الأسود رفيقاً له في الغابات لأنّ كلّ ما فيها يحجب بعضه بعضاً. والألم المنداح في بلادنا الفلسطينية أشبه بالرعب الذي يملأ الغابات، وأنّ سكوت العالم على ممارسات الإسرائيليين المتوحشة الباطشة هو أشبه بالسّحر الأسود الذي يلجم الألسن، ويُعمي الأعين، ويُخرس الألسن بالخوف.
إنّ الرّعب الواقع على الفلسطينيين منذ 75 سنة، يبدي الوجه القبيح للوحشية الإسرائيلية، كما يبدي سطوة السّحر الأسود الذي يهدّد العالم الذي يدّعي المدنية والحضارة، حتى بات صخرةً جاثمة على صدور الجميع، وللخلاص منها لا بدّ من دفعها بعيداً وبالأيدي كلّها. وهذا يحتاج إلى النورانية، نورانية العقل، ونورانية القلب في آن، أمّا المقتل فهو تأييد الرّعب والتصفيق له، والتصديق بأنّ السّحر الأسود لعنة ستطال الجميع.
لا بدّ لهذا العالم، إن أراد أن يسمّى بالعالم المدني والحضاري، من أن يواجه الرّعب الإسرائيلي من جهة والسّحر الأسود واشتقاقاته من جهة أخرى، لأن غايتهما القباحة ليس إلا.
لقد ترعرع الرّعب الإسرائيلي، ونما سحره الأسود بسبب السكوت والرضا الغربي عن كلّ ما يقوله ويفعله الإسرائيلي منذ 75 سنة، ويبرّر له ما اقترفه ويقترفه من سفك للدماء، وتدمير للبيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتفريغ المدارس من طلابها، والمشافي من مرضاها، وشلّ الحياة وإماتتها في كلّ مكان، وقتل الحميم الإنساني.
ودائماً، كان الرّعب هو الباحث عن الضحية البشرية، وكان السّحر الأسود هو المروّج والمبارك لفعله، أما الغرب فلعب دور النظّارة الذين يشاهدون عروض (الرّعب والسّحر الأسود الإسرائيلي) فقد جاؤوا كيما يبتسموا، ويصفقوا، وها هو العرض الإسرائيلي (رعباً وسحراً) مستمراً في بلادنا الفلسطينية منذ 75 سنة، مثلما هو الغرب الذي يبتسم ويصفق للإسرائيليين منذ 75 سنة أيضاً، لأنه فرح بوراثتهم لثقافته المؤمنة حدّ اليقين بالرّعب والسّحر الأسود اللذين تقنّعا بأقنعة العلم والآداب والفنون، لكن ما قرّ في الطبع هو الإيمان المطلق بالرّعب وتبريره، والسّحر الأسود وأساليبه.. أقول هذا، وأشير إليه، كي أسأل: ألا يرى الغرب أنّ ما يحدث في البلاد الفلسطينية، ومنذ سبعين يوماً، هو أشبه بالمسرح الذي بناه أجدادهم في السّجون، وليس في باحته سوى اثنين: هما الوحش والضحية، وكلاهما يمثلان ثنائية القوة والضعف، والبطش والتفلّت منه، أمّا النظّارة في المدرجات فهم يبتسمون ويصفّقون ويطالبون الوحش، الذي سمّنوه، بالتهام الضحية؟ إنها صورة الغابة والوحشية، وثقافة الرّعب والسّحر الأسود، أيّ صورة ما عاشه الأجداد الغربيون قديماً، وما أراد الأبناء استعادته في وجوه وصور أقبح للرّعب والسّحر الأسود.
أما النجاة من هذا الشر الذي سيعمّ لا شك، فهي بالكفّ عن الفرجة، وتدمير المسرح الذي أعدّ للرّعب والسّحر الأسود، ليكون أشبه بذاكرة بديلة عن أيام شيّ الأجساد البشرية المقتولة والتهامها بلذة، أي الكفّ عن مديح الذواكر وما احتفظت به من أخبار التوحش، واستبدالها بما حفلت به القوانين والآداب والفنون والقيم الإنسانية ذات الطّعوم الخالدة، فالبطولة لم تكن، ولن تكون، بالقتل والتدمير، ولا بالرّعب والسّحر الأسود، وإنما تكون بالعمران.
إنّ ما كشف عنه الإسرائيليون في البلاد الفلسطينية مؤخراً، من طباع وسلوكيات وقناعات فيما مضى من سنوات، وما بدا خلال السبعين يوماً الأخيرة في قطاع غزة والضفة الفلسطينية العزيزة، هو صورة متوحشة، مستلّة من عالم الرّعب والسّحر الأسود؛ صورة قاتمة لطقوس محتشدة بالدموية والعربدة والعماء واللامبالاة، إنها صورة الغابة وما فيها من بربرية يصوغها قانون الغاب، تُرى أليس هذا الظلموت الفاحش في تغوّله وقسوته، الذي عاشته البلاد الفلسطينية منذ 75 سنة، وتعيشه في هذه الأيام الدموية، حيث لا طعام، ولا ماء، ولا أدوية، ولا قرى كانت.. فباتت جاثية فوق ساكنيها، وليس معهم سوى أحلامهم، الصورة جلية وجهيرة، ومع ذلك يدّعي الغرب أنّ هذه هي صورة حضارية لهذا الكيان الإسرائيلي الذي صنعوه بالقوة والقرار، وأنه، وهو المحتل، له الحقّ أن يدافع عن نفسه، أمّا الفلسطيني، وكلما قال هذه أرضي، وتلك شجرتي، وهذا كتابي، وذلك بيتي؛ مفتاحه أعرفه، وطابون خبزه أعرفه مثلما أعرف أمي.. فانه يُقتل لأنه فلسطيني بالغ بالبوح!.
أيها الغرب اللامبالي، والناكر لخطاياه، ليست هذه صورة بدائية، وإنما هي صورة حديثة جداً وبالألوان للرّعب الإسرائيلي، والسّحر الأسود الغربي الذي يجمّل طقوس المحتل الإسرائيلي، فيتحدث عنها حديث الفرح، وهي، في الحقّ، طقوس تحتاج للبتر حالاً، ومن دون إهمال!.
Hasanhamid55@yahoo.com