نـعـمـة الـنـسـيـان
تحت عنوان نعمة النسيان كتبت أقول: قلت له وقلبي يفيض حباً وشكراً.. أشكرك يا رب.. من أجل أمور كثيرة أعيشها يومياً.. أشكرك يا رب من أجل الأغاني الهابطة.. والإيقاعات والألحان النشاز التي تتحفنا بها المحطات الفضائية.. والإذاعية..!
أشكرك يا رب.. من أجل الزجاج المتسخ في منزلي والذي يحجب عني رؤية زرقة السماء..!.
أشكرك يا رب.. من أجل فوضى الكتب والألعاب في منزلي التي يصعب ترتيبها..!
أشكرك يا رب.. من أجل مبالغ الحسميات الكبيرة على راتبي الشهري..!.
أشكرك يا رب.. من أجل الحفريات الكثيرة في شوارعنا.. وأزقتنا.. وحاراتنا..!.
أشكرك يا رب.. من أجل فواتير الكهرباء العالية التي أدفعها.. مع كلِّ دورة جديدة!.
أشكرك يا رب.. من أجل الألم والتشنج العضلي في قدميَّ ورجليَّ..!.
أشكرك يا رب.. من أجل زحمة السير على الطرقات.. على مدار الساعة.. وفي كلّ الأوقات..!.
أرجو.. ألاّ يعتبر أحد كلماتي السابقة مجرد هلوسات، بل هي فعلاً “شكرٌ” من القلب وصلوات، على عطايـــا ونعم كثيرة.. وهبها لي إلهي.. منذ سنوات، لن أحصيها فهي أكثر وأكبر من أيّ رقم كان، ومن أي إحصاءات.
وعندما أوضح لك ما أقصده، وتعرف ما أعنيه بالضبط، ستجد نفسك قارئي العزيز مثلي تسجد وتشكر بقائمة تبدأ.. ولا تنتهي، فمعظمنا يعيش في نعمة ما بعدها نعمة، ويمكنك بعد ذلك إضافة المئات من الأمور التي ستشكر الله عليها، كل دقيقة وكل يوم.
والقوائم هذه (أقصد قوائم الشكر) أيضاً تبدأ ولا تنتهي، وتتجدد مع تجدد شمس الصباحات، وفي كلِّ يوم، فأنْ أشكر الله مثلاً على الأغاني والإيقاعات والألحان النشاز التي تتحفنا بها المحطات، فضائية كانت أو إذاعات، فهذا يعني أنني أمتلك “أذناً موسيقية” أذناً نظيفة، تتحسّس أصالة النغمات..!.
وأن أشكر الله.. من أجل الزجاج المتسخ في منزلي، والذي يحجب زرقة السماء، فهذا يعني أنني أمتلك منزلاً، وأمتلك نافذة، وأمتلك رؤية سماء الله الواسعة، في الوقت الذي يحلم كثيرون غيري ببيت ونافذة وسماء.
وأن أشكر الله على فواتير الكهرباء و(مبالغها التي لا تحتمل) فهذا يعني أنني أمتلك ما يحلم به الكثيرون ولا يقدرون على امتلاكه ـ حتى ولو مع التقسيط المريح ـ من براد وغسالة ونشافة وكونديشن.. الخ..!.
وأن أشكر الله… على الحسميات الكبيرة على راتبي شهرياً، فهذا يعني أن لي راتباً ودخلاً شهرياً، في الوقت الذي يحلم الآلاف بامتلاك فرصة عمل، وبدخل ثابت.
وأن أشكر الله على الفوضى في منزلي، فهذا يعني أن لي عائلة وأولاداً، وهو حلم ملايين الفتيات والشبان في هذا العصر بالذات.
وأن أشكر الله على الحفريات ـوما أكثرها في شوارعناـ وعلى الألم العضلي في قدميّ، فهذا معناه “أولا” أنَّ صحتي جيدة، وأن بإمكاني المشي، والقفز، والركض..! و”ثانياً” هذا يعني أن ورشاتنا تعمل ليل نهار، ولا تنتهي نشاطاً وحركة!.
وأن أشكر الله على زحمة السير على الطرقات، وزحمة المواصلات لا في الذروة فقط بل في كلِّ الساعات، فهذا يعني أن كثيرين امتلكوا حلم السيارة، ولم تعد كما زمان ـبالنسبة للموظف ـ من معجزات الراتب وحجم إمكاناته، ومن سابع المستحيلات.
وأمَّا اليوم.. فأشكرك يا رب أننا لم نعد بحاجة لأن نحلم بعالم وغد أفضل، فها هي أحلامنا،تكاد تتحقق، ابتداءً من القضاء على الفساد.. ومحاسبة المقصرين، إلى تحقيق الرخاء للمواطن، بعد محاربة الغلاء، ومكافحة الفقر والقضاء على البطالة والانحراف. تلك البنود التي تعجز حكومات العالم مجتمعة على تحقيقها، ولكن “بقدرة قادر” نعم بقدرتك أنت وحدك نحن نثق يا صانع المعجزات.
وأخيراً.. نشكرك يا رب.. أنك نظفت ساحات أذهاننا من أيّ وعود سمعناها، ونظفت كذلك ذاكرة من نطقوا بها. فـ.. شكراً لك يا رب.. وأعظم نعمة نشكرك عليها “حقيقة” يا رب.. هي نعمة “النسيان”، تلك النعمة الرائعة التي وهبتها لنا جميعاً.
ماجدة زنبقة