الدم الفلسطيني.. المسمار الأخير في نعش الكيان المحتل
هيفاء علي
الدول الاستعمارية لها عمر محدود والكيان الإسرائيلي ليس استثناء، فهو يظن أنه انتصر بعد إنهاء حملة الإبادة الجماعية التي يشنّها في غزة والضفة الغربية، وبدعم من الولايات المتحدة، سيحقّق هدفه المجنون.
إن إصرار الكيان المحتل على إبادة الفلسطينيين أو تطهيرهم عرقياً، نابع اصلاً من اعتقاده أنه بذلك سوف يحقق حلمه بدولة يهودية خالصة، يُجرّد فيها جميع الفلسطينيين الباقين على قيد الحياة من حقوقهم الأساسية، ومن ثم سيحتفل بمجرمي الحرب وسيتم محو الإبادة الجماعية التي ارتكبها من الوعي العام وإلقاؤها في الثقب الأسود الهائل لفقدان الذاكرة التاريخية في فلسطين المحتلة، كما سيتم إسكات اليهود الرافضين لذلك واضطهادهم، ولكن بحلول الوقت يكون الكيان المحتل قد وقّع على حكم الإعدام الخاص به.
لقد أميط اللثام عن وجهه الحقيقي وتم الكشف عنه كنظام فصل عنصري شنيع وقمعي مليء بالكراهية، ما من شأنه أن يؤدّي إلى تنفير الأجيال الشابة من اليهود الأمريكيين. ومع وصول أجيال جديدة إلى السلطة، سوف تنأى الولايات المتحدة، حامية الكيان، بنفسها عنه كما تنأى بنفسها حالياً عن أوكرانيا. وسوف يأتي الدعم الشعبي، الذي تآكل بالفعل في الولايات المتحدة، من الفاشيين الأميركيين الصهيونيين المسيحيين الذين يرون في هيمنة الكيان الإسرائيلي على الأراضي التوراتية القديمة نذيراً بالمجيء الثاني، ويرون في استعباد العرب شكلاً من أشكال التفوّق للعرق الأبيض.
إن دماء الفلسطينيين ومعاناتهم، وخاصة أن عدد الأطفال الذين قتلوا في غزة أكبر بكثير ممّا يمكن أن تؤدّي إليه أيّ حرب في العالم، من شأنها أن تكون المسمار الأخير في نعش الكيان الإسرائيلي.والاستغلال الساخر للمحرقة، وخاصة من خلال جعل الفلسطينيين يبدون كأنهم نازيون، لا يكاد يكون فعّالاً عندما يتعلق الأمر بارتكاب جريمة إبادة جماعية حيّة ضد 2.3 مليون إنسان محاصرين في أحد معسكرات الاعتقال.
هذا الانحطاط الصهيوني سوف يولّد شعوراً بالضجر واللامبالاة، لأنه لن يتمكّن من تجنيد شركاء محليين، يقومون بتزيين صورة المحتل الذي تلطخت أيديه بدماء أقاربهم وأبناء جلدتهم، حيث يستشهد المؤرخ رونالد روبنسون بفشل الإمبراطورية البريطانية في تجنيد حلفاء من السكان الأصليين لعكس التعاون إلى عدم التعاون، وهي لحظة حاسمة لبدء إنهاء الاستعمار. ويوضح روبنسون أنه بمجرد أن يتحوّل عدم تعاون النخب الأصلية إلى معارضة نشطة، يصبح “التراجع السريع” للإمبراطورية مضموناً. ولم يبقَ أمام الكيان سوى تصعيد العنف، بما في ذلك التعذيب، من أجل التعجيل بالانحدار، كما كانت الحال أثناء الحرب التي قادها الفرنسيون في الجزائر، والصراع البريطاني في أيرلندا الشمالية.
الاغتيالات الماضية والحالية لعشرات القادة الفلسطينيين لم تفعل الكثير لتخفيف حدة المقاومة، لقد ولّد الحصار والإبادة الجماعية في غزة جيلاً جديداً من الشباب والشابات المصابين بصدمات نفسية وغاضبة، الذين قُتلت عائلاتهم ودُمّرت مجتمعاتهم، وهم على استعداد لمواصلة النضال حتى الرمق الأخير، وعلى استعداد ليحلّوا محل القادة الذين سقطوا.
في الكيان الإسرائيلي، يتم تصنيف المدافعين عن حقوق الإنسان والمثقفين والصحفيين – الإسرائيليين والفلسطينيين – على أنهم خونة في حملات التشهير التي ترعاها الحكومة، ويتم وضعهم تحت مراقبة “الدولة” ويتعرّضون للاعتقال التعسفي، ونظام التعليم الإسرائيلي هو آلة تلقين للجيش. وفي هذا السياق، حذر الأكاديمي الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتز من أنه إذا لم يقم الكيان بفصل الكنيسة عن الدولة وإنهاء احتلاله للفلسطينيين، فإنه سيؤدّي إلى ظهور حاخامية فاسدة ستحوّل اليهودية إلى طائفة فاشية، مضيفاً: إن الغموض العالمي الذي يكتنف الولايات المتحدة، بعد عقدين من الحروب الكارثية في الشرق الأوسط واقتحام مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني، أصبح ملوّثاً مثل حليفته “إسرائيل”. وأردف: إن إدارة بايدن، في إطار حماستها لدعم الكيان الإسرائيلي دون قيد أو شرط واسترضاء اللوبي الإسرائيلي القوي، تجاوزت عملية مراقبة الكونغرس مع وزارة الخارجية للموافقة على نقل 14 ألف قذيفة دبابة إلى الكيان، وفي الوقت نفسه، تدعو بسخرية إلى الحدّ من الخسائر في صفوف المدنيين، وليس لدى هذا الكيان أيّ نية لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، لقد قتلت الحرب حتى الآن 18.800 فلسطيني، أو 0.82% من سكان غزة ـ أي ما يعادل حوالي 2.7 مليون أميركي، وأصيب 51 ألفاً آخرون. ويعاني نصف سكان غزة من الجوع، حسب الأمم المتحدة، بينما تعرّضت جميع المؤسسات والخدمات الفلسطينية الضرورية للحياة – المستشفيات 11 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى في غزة لا تزال تعمل “بشكل جزئي”، ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، وشبكات الصرف الصحي، والإسكان، والمدارس، والمباني الحكومية، والمراكز الثقافية، وأنظمة الاتصالات، والمساجد، للتدمير بشكل ممنهج كما تم تدمير الكنائس ونقاط توزيع الغذاء التابعة للأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، قتل جيش الاحتلال ما لا يقل عن 80 صحفياً فلسطينياً مع العشرات من أفراد عائلاتهم وأكثر من 130 من موظفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة وأفراد عائلاتهم، وتشكّل الخسائر المدنية الجزء الرئيسي. وبالتالي هذه ليست حرباً ضد المقاومة الفلسطينية، إنها حرب ضد الفلسطينيين، والهدف هو قتل أو طرد 2.3 مليون فلسطيني من غزة.
إن رئاسة بايدن، التي من المفارقات أنها وقّعت على شهادة الوفاة السياسية الخاصة بها، متجذّرة في الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وسوف تحاول أن تنأى بنفسها شكلياً، ولكنها في الوقت نفسه ستوفر مليارات الدولارات من الأسلحة التي طلبتها “إسرائيل” -بما في ذلك 14.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الإضافية لتكملة المساعدات السنوية البالغة 3.8 مليارات دولار، من أجل “إتمام المهمة”، وهي شريك كامل في مشروع الإبادة الجماعية.
إن سياسة “الأرض المحروقة” التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي في غزة تعني أن السلام لن يأتي، ولن يكون هناك حل الدولتين، وسيبقى الفصل العنصري والإبادة الجماعية سمة الكيان المحتل.