غياب الحالة الانضباطية سبب ضعف الدوري الكروي.. أنديتنا فشلت في البطولة الآسيوية والتراجع المستمر يتطلب استراتيجية علاجية سريعة!
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
حفلت الفترة الماضية بالكثير من الأحداث الكروية المهمة التي يمكننا التعليق عليها ببعض الكلمات مع تبيان مكامن الخلل في المسيرة الكروية، وكل ما يتم سرده ينم عن ثقافة كروية ما زالت هشة، والمشكلة أن الفكر الكروي الذي تتمتع به أغلب الكوادر ما زال قاصراً وهو نتيجة حتمية لجهل سببه عدم الخروج من عباءة الهواية والعشوائية وعدم الدخول في عالم الاحتراف المتوازن القوي الذي يبني كرة القدم وفق الأصول المرعية والتي تؤسس لقاعدة عريضة واسعة مملوءة بالمواهب والخامات لتصبح نجوماً في مستقبل كرتنا.
الأحداث التي يمكن تناولها اليوم تتوزع على قسمين، قسم انضباطي يختص في شؤون الملاعب وتفاعلات الشارع الكروي إزاء الشغب والعقوبات الرادعة ورد فعل الأندية تجاه ذلك، وقسم آخر يدخل في صلب العملية الكروية والمستوى التي ظهرت به فرقنا ومنتخباتنا الكروية، والاستعداد النظري للمنتخب الأول لبطولة آسيا وردود الشارع الكروي حول بعض التصريحات غير المتفائلة التي تصدر من هنا ومن هناك.
العشوائية في كرتنا لا يتحمل تبعاتها اتحاد كرة القدم الحالي ولا تتحملها إدارات الأندية الموجودة حالياً، إنما هو ثقافتنا الكروية التي نتبعها والتي ورثناها جيلاً بعد جيل، والتي نتمسك بها ولا نحاول الخروج من عباءتها، لذلك فالتطور الكروي المنشود لا يمكننا بلوغه لأننا ما زلنا متمسكين بجاهلية الفوضى والهواية، وهذا ما يخص القسم الأول الانضباطي الذي هو أساس نجاح كل عمل.
تعامل غريب
فالتعامل (على سبيل المثال) مع كل حالات الشغب والشطط التي تحدث في ملاعبنا لا تواجه ضمن إجراءات تضمن مكافحة الخروج عن أدب الملاعب ولا تنتصر للقرارات الانضباطية، وكما نعلم فإن مسعى أنديتنا على الدوام هي إلغاء العقوبات الانضباطية بأي وسيلة ومعاداة اللجان القضائية لدرجة أن بعض الأندية حاولت أكثر من مرة حجب الثقة عن لجنة الانضباط والأخلاق لا لشيء معيب فيها، إنما لأن هذه اللجنة تضبط الدوري والمسابقات الرسمية وتكافح كل أنواع الخروج عن النص في الملعب في سبيل إرساء القواعد الانضباطية وتكريس اللعب النظيف والتشجيع النظيف والتعامل مع كل المباريات بحضارة كاملة وإحساس بالمسؤولية تجاه النادي وتجاه كرة القدم.
الأندية في المحصلة العامة ترفض العقوبات الانضباطية والمالية وتتهم لجنة الانضباط والأخلاق بما ليس فيها، بل إنها تواجه ضغوطاً من جهات مختلفة وهجوماً غير لائق في وسائل التواصل الاجتماعي وكأن المراد أن يسير الدوري دون قواعد انضباطية وأن يتم تحويله إلى دوري أشبه ما يكون بدوري الأحياء الشعبية.
اللجان القضائية تحتاج إلى الدعم والحماية حتى يسير الدوري ضمن الأصول والقواعد، لأن نجاح أي دوري يتطلب نجاح العمليات الإجرائية والتنظيمية والإدارية والانضباطية، ودون ذلك سيكون الدوري ضعيفاً ومهلهلاً ولا يمكن تصنيفه بين الدوريات الجيدة أو المقبولة على أدنى تقدير.
على سبيل المثال تصرف الاتحاد التركي لكرة القدم بحكمة عندما أوقف كل الدوريات والمسابقات جراء الاعتداء على حكم أحد المباريات، وتم تحويل المعتدين إلى القضاء وسيتم اتخاذ إجراءات عديدة قبل استئناف النشاط مرة أخرى.
في المقابل نجد أن الإجراءات المتخذة عندنا ضعيفة ولا تحمي القرارات الانضباطية، وعلى سبيل المثال نذكر لاعباً اعتدى بالضرب على حكم وعوقب بالإيقاف لمدة عام ثم نجده يلعب كرة القدم في بلد آخر، والسؤال الذي يتبادر للذهن: من سمح له باللعب ومن أعطاه براءة ذمة مع العلم أن كل ما حدث يخالف القوانين المحلية والدولية.
أيضاً لاعب آخر يعتدي بالضرب على الحكم، ثم يقال حاول الاعتداء على الحكم، ثم تمسح العقوبة بغمضة عين، من تصرف هكذا تصرف من المفترض أن يكونوا حماة قانون كرة القدم.
لكن الأهم أن الأندية تجتمع لتواجه القرارات الانضباطية وتصدر البيانات والتهديدات وما شابه ذلك، وتجد الأرض الخصبة التي تساعدها على ذلك، لكن الغريب أن أحد الأندية هدد بتعليق مشاركته بالدوري كرمى عقوبة لاعب كاد أن يشعل فتنة لها أول وليس لها آخر، بمثل هذه العقلية نشجع المشاغبين على شغبهم ولا نردعهم ونفسح المجال لغيرهم ليدخلوا عالم الشغب والمخالفات ما دام هناك من يدافع عنهم ويلغي عقوباتهم.
وللأسف هذه هي الثقافة التي تتحلى بها كرتنا وهذا الأمر سيشجع على المزيد من الشغب ولن يردعه أو يحد منه.
وفي التفاصيل أمثلة كثيرة وعديدة نذكر منها مثالاً يعتبر غريباً بعض الشيء، أحد حكامنا الدوليين يعمل مدرباً لإحدى فرق السيدات، المفترض بهذا الحكم المدرب أن يكون بما يملك من نضوج وثقافة وخبرة تحكيمية معيناَ لطاقم التحكيم ومؤازراً له، لكن على العكس تماماً فقد اعترض على بعض القرارات وأكثر من الاعتراض حتى تلقى انذاراً، في التعليق على الحادثة كما قيل لنا أن حكمة المباراة احترمت الحكم الدولي المدرب فلم تخرج له البطاقة الحمراء، بينما هو لم يحترم كرة القدم ولم يأبه لقواعدها، والمصادفة العجيبة أن الحكم ذاته المعترض كان قبل يوم حكماً في إحدى المباريات بالدوري الممتاز ولاقت قراراته استهجاناً لأن بعضها ساهم في تغيير نتيجة المباراة!
التراجع المخيف
المشاركة في بطولة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم وضعت كرتنا في موقعها الصحيح على الخريطة المحيطة بنا، وللأسف تبين لنا أننا في آخر موقع في بلاد الشام والرافدين والخليج، والأرقام تتكلم ولا نتجنى على أحد.
الفتوة وأهلي حلب لعبا مع فرق من لبنان والعراق والأردن وفلسطين والكويت وعمان، وهذه الدول بفرقها تصنف بين النخب الثاني من الفرق الآسيوية، ففرقنا لم تقابل أي فريق من النخب الأول كالهلال والنصر والاتحاد وفرق الإمارات كالعين والوحدة والجزيرة وكذلك فرق قطر، والحصيلة أن فريقينا لم يحققا المطلوب فجاءا آخر الترتيب بالمجموعتين، ومن أصل 33 نقطة ممكنة حقق الفريقان خمس نقاط، لعبا 11 مباراة فازا في مباراة وتعادلا في مباراتين وخسرا ثماني مباريات، مرمانا كان مشرعاً لكل الفرق وحصيلتنا من الأهداف قليلة.
خسرنا مع جبل المكبر الفلسطيني ومع العهد اللبناني ومع النهضة العماني ومع الوحدات الأردني ومع الكهرباء العراقي، لم نسجل هدفين في مباراة واحدة، وهذه الأرقام معيبة جداً.
الطامة الكبرى أن الظروف كلها خدمت الفتوة وفتحت له كل أبواب التأهل إلى نصف النهائي وكأنها تقول له تفضل، لكنه رفض كل ذلك، فقد كان الفريق الوحيد بين كل الفرق المرشحة لنصف النهائي التي كانت حظوظ التأهل بيده وليس بيد غيره، ولكن ضيع كل هذا وفرط به بطريقة عجيبة!
نواقص كثيرة
في المفاضلة بين فريقي الفتوة وأهلي حلب، نجدها مقارنة ظالمة فيمكننا أن نجد الأعذار والمبررات لفريق أهلي حلب لكونه يؤسس كرة ناديه من أبناء النادي، ولكون لاعبيه من صغار السن ويفتقدون للخبرة المطلوبة، ورافق كل ذلك أوضاعاً غير مستقرة في النادي مع أزمات خانقة عديدة، أهمها الأزمة المالية التي جعلت الفريق يستجدي تكاليف السفر، وفي بعض المباريات سافر براً إلى السعودية أكثر من مرة.
بينما فريق الفتوة كان مستقراً ومرتاحاً على الصعيد المالي والنفسي ولا توجد أمامه أي عقبات تزعجه، إضافة لذلك كان فريقه يضم خيرة نجوم الدوري ومن أفضل اللاعبين وأكثرهم مهارة، ولكن على ما يبدو أن الفتوة خارج الدوري فريقاً أقل من عادي لأنه لم يثبت وجوده بين هذه الفرق في هذه البطولة.
من خلال المتابعة وجدنا عدة أمور تنقص كرتنا وخصوصاً فريقي الفتوة وأهلي حلب، ونجد في أولها اللياقة البدنية، فالجاهزية البدنية ليست على ما يرام لأن الفريقين يظهرا بشكل متعب آخر اللقاءات، وهذا سببه ضعف الإعداد البدني، وقد يكون بسبب المعد الذي يفتقد الخبرة المطلوبة في إعداد اللاعبين بدنياً، وقد يكون بسبب اللاعبين أنفسهم الذين أهملوا هذا الجانب من خلال تفريطهم بالقواعد الصحية والمحافظة على الوزن المثالي والتقيد بتعليمات عدم السهر وعدم التدخين وغير ذلك من الأمور الصحية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحالة البدنية.
وترافق ذلك بضعف التركيز الذهني وخصوصاً آخر المباريات، وقد استغلت بقية الفرق هذه الثغرات فحققت ما تريد من فريقينا، وربما الدليل الواضح على ذلك تراجع مستوى الأداء آخر المباريات ونسبة الأهداف التي دخلت مرمى أهلي حلب والفتوة آخر المباريات كانت نسبة أعلى من بقية مراحل المباراة.
وعلى سبيل المثال خسر أهلي حلب مباراتيه مع الكهرباء في آخر الوقت، وتلقى خمسة أهداف في الدقائق العشر الأخيرة، ومثله الفتوة الذي خسر أمام العهد اللبناني بوقت قاتل، فتلقى هدفين بدقيقتين في الوقت بدل الضائع.
أيضاً يمكننا الإشارة إلى أن لاعبينا لا يملكون ثقافة الفوز، فالإعداد النفسي للفريق كان ضعيفاً، ولاحظنا نقطتي ضعف واضحتين في الفريقين، أولهما: الفريقان غير قادرين على تسجيل هدف ثان في أي مباراة، وهذا يعود للسياسة الفنية المتبعة بحيث عندما يتم تسجيل هدفاً يجب المحافظة عليه بأساليب دفاعية ونسي مدربونا أن خير وسيلة للحفاظ على الهدف تسجيل هدف آخر، لكن عندما كان أحد الفريقين يسجل هدفاً يتراجع إلى الخلف دون مبرر وتضعف فاعليته الهجومية وهذا من الأخطاء القاتلة في عالم كرة القدم.
ثانيهما: عندما يستقبل مرمى أحد الفريقين هدفاً تجد أن التعويض يأتي من باب المستحيلات وذلك لضعف الثقة ولانهيار الروح المعنوية نتيجة ضعف الإعداد النفسي والخوف من الفرق الأخرى التي دخلت البطولة بسمعة كبيرة.
تاريخياً، من هذه الدول فإن العراق تملك تاريخاً ناصعاً بكرة القدم وكنا نجاريها، أما بقية الدول فكنا نتجاوزها بالفرق والمنتخبات بسهولة، بل كنا نعلمها كرة القدم ونمسك بيدها لندلها على الطريق الصحيح.
أسباب غير مباشرة
الأسباب غير المباشرة لكل ذلك يعود لضعف الأداء في الأندية، فأنديتنا تفتقد لاستراتيجية البناء الصحيح لكرة القدم، وزاد منها الاحتراف الأعوج الذي جعل هذه الأندية تعتمد على اللاعب الجاهز بعيداً عن صناعة كرة القدم، لذلك يغيب التأسيس وتغيب أولويات العمل، فالفرق تبحث عن اللاعب قبل أن تبحث عن المدرب وعن المعد البدني، لذلك بات هم أنديتنا البحث عن بطولات مسبقة الصنع بأي طريقة، وهذا كله أدى إلى تراجع كرتنا لأن اللاعبين باتوا يدورون في كل موسم بين الأندية ولم نعد نرى لاعبين جدداً يدخلون الأندية والدوري إلا ما ندر، لذلك وجدنا نقصاً في الكثير من المراكز وضعفاً في مراكز أخرى، ومن هذه المراكز حراسة المرمى، فالكرة السورية تفتقد للحراس الجيدين، ومثلها في بقية المراكز.
لا يمكن لكرة القدم أن تتطور إلا إذا تم اعتماد منهجية علمية تطبقها الأندية في صناعة كرة القدم، على أن تكون هذه المنهجية محمية بالقانون، والحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن كرتنا تعيش في دائرة الجهل والفوضى والعشوائية.