دراساتصحيفة البعث

بايدن عاجز عن إدارة السياسة الخارجية  

ريا خوري

ما زال الرئيس الأمريكي جو بايدن  يواجه العديد من المآزق السياسية الجديةً  والكبيرة على المستويين الداخلي والخارجي على حد سواء، فعلى المستوى الداخلي تؤكد المعلومات الصادرة عن مراكز الأبحاث والدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية تدنّي وتآكل مستوى شعبيته مقابل تزايد شعبية غريمه التقليدي الرئيس السابق دونالد ترامب على الرغم من كثرة القضايا المرفوعة ضده في المحاكم الأمريكية. أما على المستوى الخارجي، فإن ما كان يتمتع به بايدن من رصيد إيجابي على خلفية قيادته لتحالف غربي قوي ضد جمهورية روسيا الاتحادية ومحاولة شيطنتها منذ بدء الحرب في أوكرانيا، ذهب أدراج الرياح نتيجة الدعم الأمريكي الكامل لحرب الكيان الصهيوني على الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، وهي الحرب الدامية التي أثارت صورها المرعبة موجةً غير مسبوقة من  التنديد والشجب في كل أصقاع العالم، بما في ذلك كبريات الولايات والمدن الأمريكية والأوروبية. ومن الواضح تماماً أن الصراع الدامي في الشرق الأوسط، قد شوّه بشكلٍ لافت سمعة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، وكأن الولايات المتحدة، وهي القوة العظمى الأولى بكل قضّها وقضيضها، بدأت تغرق في أزمات الشرق الأوسط المتتالية، كما أنها باتت في أعين الرأي العام العالمي تتحمّل الكثير من الأعباء والأخطار، كما تتحمّل مسؤولية تاريخية وأخلاقية ثقيلة جداً في قتل آلاف المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وشبّان عزل في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من أربعة عشر عاماً، بسبب استخدامها حق النقض (الفيتو) ضد عدّة قرارات أممية تطالب بوقف الحرب الدموية الظالمة.

لقد تم اعتبار بايدن أحد أكثر الرؤساء الأميركيين خبرةً ودرايةً  بقضايا السياسة الخارجية نظراً لما يملكه من خبرات سابقة، ويرى عدد كبير من المراقبين والباحثين الاستراتيجيين أنّ حظوظ بايدن في الفوز بولاية رئاسية ثانية تبدو ضئيلة للغاية، بوصفه مرشح الدولة العميقة والشركات الضخمة والكارتيلات الكبرى، ومجمّع الصناعات العسكرية، وشركات التقنية الكبرى في وادي السليكون.

فقد تمّت الإشارة إلى أنّ الأمريكيين الذين صوّتوا لمصلحة بايدن عام 2020، كانوا ينتظرون منه أن يكون متوازناً في سياساته الداخلية والخارجية، وأن يكون ممثلاً لكل شرائح المجتمع الأمريكي في مواجهة سياسات اليمين الشعبوي المتطرّف، لكنه وبعد حصاده السياسي خلال الفترة الماضية من حكمه في البيت الأبيض، فإن الأمريكيين السود وأولئك المنحدرين من أصول لاتينية، فقدوا الثقة بشكلٍ كبير في قدرته على تسيير شؤون الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الظروف الصعبة التي تتميّز بتحوّلات جيوسياسية وجيواستراتيجية كبرى تتطلّب قيادة سياسية قوية قادرة على مواجهة التحدّيات الجمّة التي تشهد تحوّلاً حقيقياً في قيادة النظام العالمي، وعلى إعادة التعايش والانسجام داخل المجتمع الأمريكي.

هناك في السياق نفسه ما يشبه الإجماع لدى المتابعين والمراقبين والمحللين السياسيين للشأن الأمريكي، بأن جو بايدن خيّب كل التوقعات بشأن سياسته الخارجية، لاسيما في القارة الأوروبية العجوز  التي استبشر قادتها بفوزه بالانتخابات الرئاسية واستلامه دفة الحكم من البيت الأبيض، وبعودة الولايات المتحدة إلى زعامة الغرب وحلف شمال الأطلسي (ناتو). أما بالنسبة لسياسته مع  جمهورية الصين الشعبية، فإنها لم تكن مختلفة من حيث الجوهر عن سياسة سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب.

لقد أضاع بايدن موعده مع التاريخ وتحوّلاته الكبرى وخذل حلفاءه الأوروبيين وقام بتصعيد التوتر مع روسيا الاتحادية حتى قبل أن يُقدِم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التصدّي للنازيين الجدد في أوكرانيا، المداومين من حلف شمال الأطلسي (ناتو). وبقيت سياسته تجاه الشرق الأوسط بشكلٍ عام والمنطقة العربية بشكلٍ خاص حبيسة لرؤية إدارته التقليدية ولا تملك سياسة خارجية موحّدة ومستقلة، ووصلت الأخطاء السياسية المتتالية إلى الذروة عندما لم تنجح إدارته حتى الآن في إدارة الصراع الدامي في الشرق الأوسط باحترافية وحيادية، ووفّرت في المقابل الغطاء السياسي والدعم العسكري لقتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين الأبرياء في قطاع غزة.

لقد اختار بايدن وفريقه السياسي التركيز على قضايا خارجية لها أبعاد داخلية واضحة مثل قضية حقوق المثليين جنسياً، وقضية تغيّر المناخ، وهي سياسات لا تزال تثير الكثير من التناقض والانقسام بصورةٍ كبيرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها. وعلى الرغم من ادّعاء بايدن وفريقه أنه بصدد إعادة المبادئ  والقيم الراسخة المتعلقة بحقوق الإنسان لتصبح ضمن أولويات السياسة الخارجية الأميركية، فإن زيارة بايدن ولقاءاته في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية أظهرت فراغ هذه الادّعاءات وعدم صدقها شكلاً ومضموناً.

ومثّل تأكيد بايدن لقادة وزعماء الشرق الأوسط أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لن (تبتعد وتترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران)، إشارةً واضحة وصريحة إلى أنّ محدّدات سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه المنطقة تعتمد على المصالح المتبادلة بالمقام الأول بما يصعّب من أي منافسة دولية لها على النفوذ في المنطقة، إلا أنّ الرئيس بايدن وفريقه السياسي يتجاهلان واقع تنافس الدول الكبرى من حلفاء وأعداء الولايات المتحدة الأمريكية على النفوذ في الشرق الأوسط، بل ميل الكثير من الحكام والقادة والشعوب العربية إلى الأنموذج الصيني والروسي في إدارة شؤونهم الداخلية، لذا تداعوا للانضمام إلى مجموعة دول (بريكس).

موقف بايدن الأخير الداعم للكيان الصهيوني ضد الشعب العربي الفلسطيني في  قطاع غزة مزّق آخر الأوراق له في الشرق الأوسط بشكلٍ خاص والعالم بشكلٍ عام.