في كل حارة يشع طفل المغارة
حلب-غالية خوجة
تستعد حلب مثل المدن السورية ومدن العالم لاحتفالات الشهر الثاني عشر من كل سنة، فترى برودة الشتاء تصبح دافئة مع حضور ميلاد عيسى عليه السلام، وتصبح أكثر ألفة مع وداع عام مضى واستقبال عام يأتي.
ورغم الأيام السوداء التي مرت وتمر علينا، لكننا نظل متفائلين بالأيام البيضاء القادمة من السماء مثل الثلوج العازفة على أضواء عيد الشجرة، وشجرة الميلاد، وبوابة عام 2024 القادمة مع ابتسامة بابا نويل، وماما نويل، وهداياهما المعنوية والرمزية والمادية للأطفال والكبار.
ويكاد يكون كل إنسان في حلب بابا نويل بحدّ ذاته، كونه يحمل همومه وآلامه وشتاته وآماله في كيس واحد، ويتجول في شوارع الحياة، وشوارع المدينة التي ما زالت تعاني من آثار الحرب والدمار والزلزال والحصار، ورغم ذلك، ترى هذا الإنسان يمنح الابتسامة من القلب مقتنعاً بما كتبه الله تعالى، ومنشرحاً صدره للعدالة السماوية القادمة، أو ليس هو الذي تحدّى قذائف الإرهاب بصدر عارٍ، وصمد وقاوم في أحلك الحروب التي لم تمر على العالم لكنها مرت عليه، فكانت برداً وسلاماً؛ أو ليس هو الإنسان ذاته الذي ركض لمساعدة أخيه وانتشاله من بين الأنقاض بين هزتين أولاهما الحرب وثانيتهما الهزة الأرضية؟.
وها هو يتخطّى الصعاب مع الشهداء السوريين والفلسطينيين، مؤكداً على ثقته بالقلوب العربية، وبوحدة المصير، وبانتصار الحق أينما كان في هذا العالم؛ وعلى ثقته بوحدة مجتمعه المتآلف لأنه لا ينتمي إلاّ للوطن والمحبة، ولذلك تراه مبتسماً مع أية شجرة ميلاد تتلألأ بالأضواء والزينة الجاذبة للفرح من الألعاب والإكسسوارات وهدايا الميلاد، فيقف ليتصور معها وحده، أو مع أصدقائه، أو عائلته، فيضحك تلك الضحكة التي خبأها من الظلمة وجراحها، لتتفتّح مثل أمل قريب أصبح نجمة معلقة في أغصان الشجرة.
والملفت انتشار ظاهرة المجسمات في الشوارع، أمام المحلات، ومنها ما يتمتع بعادة سيئة مثل مجسم الدمية الجالسة مع “النرجيلة” نافثة دخانها الوهمي، ومنها ما هو محبب مثل مجسم الدمية الجالسة استعداداً للعزف على آلة العود، وتمنيتُ لو أجد مجسماً لدمية تقرأ كتاباً بينما صوت الكتب المقروءة من أية مكتبة سمعية يصدح في الشارع، ليستمع الناس إلى الأفكار والقصص والعلوم والأشعار، كما تمنيت لو رأيت دمية منشغلة بالأغاني الوطنية المحببة الجاذبة، وأغاني الميلاد.
من يمشي في شوارع حلب العريقة رغم كل ما حدث، يلاحظ الوعي الإنساني المشترك بالحياة مع الحياة، ويكتشف حيوية المشاهد الاجتماعية الوجدانية في كل مكان، وحيوية الرفق بالحيوان، ومنها مشاهد الاعتناء بإطعام الحمام والطيور وسقايتها، والاهتمام بالقطط الجائعة حتى لو كان من يطعمها جائعاً، إضافة إلى التعامل الراقي بين الناس بمختلف فئاتهم ومكوناتهم، وتوقع أن يقول لك أحدهم شكراً على فعل بسيط أو كلمة طيبة، أو أن تتلقّى دعوة مستجابة، وتوقع مدى سعادتك الداخلية عندما تفاجئ أحداً ما بمساعدتك له سواء كان عجوزاً أو طفلاً أو مصاباً، حينها، تلمس بقرارة نفسك كيف يصير قلبك شجرة ميلاد مضيئة وهلالاً مشرقاً سيتحول بعد عمل طيّب آخر إلى قمر جديد.
وهكذا، بين مئذنة وكنيسة، تحتفل حلب كعادتها، فتسمع تكبير المساجد وأجراس الكنائس في آنٍ معا، بينما المدينة تتهيأ لزينة وأضواء واحتفالات الميلاد، وهذا ما تراه في مختلف الأحياء الحلبية من سكنية وتجارية وأسواق ومطاعم وحول القلعة، كما تتزين البيوت فتلمع نوافذها وشرفاتها بإضاءة الأعياد، ومن تلك الأحياء العزيزية، التي تقف فيها كنيسة اللاتين العريقة، ويستوقفك، قريباً منها، مجسمان رمزيان لشيخ ومطران، متحدان، يحتفلان بالأعياد المشتركة، خلفهما لوحة منسوجة لقلعة حلب، بينهما شجرة الميلاد، وتحيط بهما الأضواء والهدايا وأغصان الشجرة، ممسكان بعضهما يداً بيد، ويشكّلان قبضة واحدة تحمل لافتة معدنية ذهبية يتوسطها علم سورية وشعار لواء القدس، كتب عليها بلون المحبة الأرجواني: “رسالة الميلاد معاً لنشر السلام”.