بعد عيدها.. كعك اللغة بطعم الجدّ ونكهة الهزل!!
نجوى صليبه
“مفارقةٌ تتعلّق بواقِ اللُّغة العربيِّ وأْهلها بينَ الماضي والحاضِر، أستحضرها بقول “ابن منظور” (٦٣٠– ٧١١هـ) في مقدّمة مصنَّفه “لسان العرب” أشهر معاجم اللُّغة العربيّة وأضخمها: “وذلك لما رأيته قد غلب، في هذا الأوان، من اختلاف الألسنة والألوان، حتّى لقد أصبح اللَّحن في الكلام يعدّ لحناً مردوداً، وصار النُّطق بالعربيّة من المعايب معدوداً، وتنافس النّاس في تصانيف التّرجمانات في اللُّغة الأعجميّة، وتفاصحوا في غير اللُّغة العربيّة، فَجمعتُ هذا الكتاب في زمنٍ أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوحٌ الفُلك، وقومهُ منه يسخرون، وسميّته لسان العرب”، يقول الشّاعر قحطان بيرقدار بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، ويضيف: “صحيحٌ أنّ إشكاليّةَ “الازدواجيّة اللُّغويّة” موجودةٌ في لغاتٍ عدّة، وأنّ الجدل قائمٌ حولَها بينَ مُؤيدٍ ومعارض، لكنّ ذلك لا يمنع من القول إنَّ “إشكاليّة الازدواجيّة اللُّغَويّة بينَ العربيّة الفُصحى والعامّيّة” هي نتيجةُ فصامٍ عميقٍ وشاملٍ (سياسيّ، اقتصاديّ، اجتماعيّ، ثقافيّ…) عاشه العرب، ولا يزالونَ يعيشونه”.
“هل يكفي يوم واحد للاحتفال باللغة العربية؟”، سؤال يطرحه الرّوائي خليل صويلح ويقول: “شخصياً أشعر باليتم لفرط ما أصاب هذه اللغة من كسور في عمودها الفقري، بالإضافة إلى عسر هضم في الأمعاء.. هناك أيضاً، المشية العرجاء في شوارع لغات العالم.. لغة هجينة فقدت لياقتها في الكتابة وعلى الشاشات وميكرفونات الإذاعات.. تحتفل المذيعة بهذا اليوم الطارئ، وهي تردّد وراء الضيف “أوكي”.. كنت وما أزال أعاني اضطراباً وأنا أسمع في الإذاعة ميوعة المذيع وهو يقول “بونجورك”، كأن عبارة صباح الخير التي تعلّمها في الأناشيد المدرسية، نوع من الجذام اللغوي، وسوف تكتمل الكارثة في مواقع التواصل الاجتماعي عبر قصائد شعراء الـ”فيسبوك”، وكيف تنزلق الياء إلى مؤخرة كلمة “أنتِ” من دون وجل أو شبهة، وكيف تتحوّل عبارة “طمس الحقائق” إلى “طمث الحقائق” والأمثلة كثيرة، مضيفاً: “يقيناً لا يكفي يوم واحد لترميم رضوض اللغة العربية، هذه اللغة التي تذوب خجلاً، حين يصعد خطيبُ ما، أو زعيم سياسي، أو شاعرة مستجدّة، إلى المنبر، ثم يحوّلون لغة القمح إلى برسيم وشعير!، 18 كانون الأول (ديسمبر) الذي اختارته الأمم المتحدة يوماً عالمياً للغة العربية، هو يوم حزين، يذكّرنا بمأتم أكثر من أي مناسبة أخرى”.
إذاً.. كيف نحافظ على لغتنا؟ سؤال نطرحه كلّ يوم وكلّ عام بمناسبة وبغير مناسبة، وربّما بل من المؤكّد أنّنا نعرف الإجابة، لكن لا بدّ من التّركيز عليها والتّذكير فيها أيضاً بمناسبة وبغيرها، يقول الأديب يوسف حطيني: “المحافظة على اللغة العربية لا تكون بتخصيص يومٍ سنويٍّ للاحتفال فيها، بل بالتنسيق بين المؤسسات ذات الشّأن في الدّول العربية، من أجل توفير أسباب بقائها، بدءاً من إقناع المجتمع العربي بجدوى استخدامها بعيداً عن الشعارات؛ لأنّ الجيل الجديد منفتح بشكلٍ أساسٍ على “حاجة سوق العمل” التي تعطي اللغة الإنكليزية أولوية، ولن تكون اللغة العربية “لغة سوق العمل” إلّا إذا شهد الوطن العربي نهضةً زراعيةً وصناعيةً وتجاريةً وعسكريةً شاملة، تمكّنه من الاستقلال الحقيقي، وتخلّصه من التّبعية، وعندها سيكون على الآخرين أن يتعلّموا لغتنا حتّى يجدوا فرصاً لأعمالهم واستثماراتهم”.
أمّا الأديب سعيد البرغوثي، فيشارك في الاحتفالية الافتراضية بطريقته مختلفة ويقول: في يوم اللغة العربية/ يعجبني حرف الألف بشموخه/ وأشفق على حرف الياء بانبطاحه/ وحرف الـ”لا” عندما يستغل: لا ترفع صوتك/ لا تتكلم/ لا تعترض/ ويسعدني عندما يسترد عافيته/ لا ترضخ/ لا تستسلم لطاغية/ لا تسكت على ظلم
وفي المقلب الآخر، ذكّر البعض بدقّة اللغة العربية بتندّر، كالقاصّ والشّاعر سامر منصور الذي يقول: “الغة العربية دقيقة جدّاً، فاستبدال حرف أو نقطة قد يقلب المعنى، ولا سيّما مع أزرار الجوّال صغير الشّاشة، فمرّة قال أحدهم لشخص مريض: “بالشّقاء العاجل” عوضاً عن “بالشّفاء العاجل”، ومرّة علّقت بـ” خوار قويّ.. كلّ التّحية” عوضاً عن “حوار” على منشور يتضمّن حواراً أجرته إحدى الصّحف مع صديق أديب”.
ويضيف منصور: “كتب أحد الأصدقاء قصيدةً لخطيبته، وأرفقها بصورتها، فكتبت معلّقاً: “صيدة جميلة”، فأرسل إلىّ على المحادثة الخاصّة معاتباً: “مو عيب؟ شو أنا صيّاد نسوان؟!”.. فقلت له: “أنا أتحدّث عن القصيدة، وبسبب السّرعة سقط حرف القاف”.. انتبهوا من السّرعة على لوحة مفاتيح الجوّال”..
ولا يوفّر البعض مناسبةً كهذه، للحديث عن طبائع النّساء، مازجاً بين الدّعابة ولغتنا الغنية والمتنوّعة والدّقيقة، يقول علاء أوسي: “من عجائب اللغة العربية، هو أنّ كلمة ”امرأة” لا جمع لها، و”نساء” لا مفرد لها.. يعني حتّى اللغة العربية لم تستطع فهم النّساء”.
أمّا المخرج السّينمائي المهند كلثوم، فكتب: “بصراحة.. انا مالي خلق اضغط زيادة على الالف لأختار همزتها، وانت منتظر مني اصبر عليك؟!!”.
أقول قولي هذا وكلّي أمل ألّا تكون لوحة مفاتيح الحاسوب قد خانتني، على الرّغم من قراءة ما كتبته أكثر من مرّة، وفي حال كان ذلك لا يسعني سوى قول: “العتب على النّظر لا اللغة”..