أضراره نفسية وصحية.. زواج القاصرات ظاهرة متفاقمة في أحضان الفقر والعادات والتقاليد
دمشق- ميس خليل
تصرّ العديد من المجتمعات على زواج القاصرات، على الرغم من أضراره العميقة والجسيمة ظناً بأنه يمكن تحقيق الحماية للنساء والفتيات في وقت مبكر من العمر، ولاتزال ظاهرة زواج القاصرات في عدد من الدول العربية، ومنها سورية، واحدة من أهم الملفات الاجتماعية الساخنة على الرغم من التطور الذي يحرزه العالم أجمع على الصعد كافة، وذلك بفعل العديد من القضايا التي تشهدها المحاكم من فتيات قاصرات يطلبن الطلاق.
تزايدت خلال الحرب
خبير الحماية الاجتماعية في منظمة اليونيسيف ماهر رزق أوضح لـ “البعث” أنه يمكن تحديد أو تعريف الزواج المبكر بأنه العلاقة الزوجية التي تنشأ في سن مبكرة، وبكلمة أخرى هو الزواج الذي يتمّ قبل بلوغ السن القانوني.
وقال رزق: من خلال تجربتي الطويلة بالعمل الاجتماعي هناك ثلاثة عوامل فاعلة ومؤثرة بالقضية وهي البيئة القانونية، الأديان، والعادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية، مضيفاً أن زواج الأطفال مشكلة متجذرة بالمجتمعات السورية وخصوصاً الريفية منها، لكنها بشكل طبيعي تزايدت طرداً بسبب الحرب لأسباب تتعلق بالحماية والتهجير والعنف الذي انتشر في المناطق التي كانت خارج سيطرة الدولة، أما في الخوض في الأسباب التي تدفع الأهل إلى تزويج الفتيات في عمر مبكر، فهي الفقر وعدم تقدير قيمة الفتاة وضعف التعليم والرغبة في الحصول على المال من الرجل.
وأشار رزق إلى أن المنظمات الدولية كمنظمة اليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان أطلقوا مبادرة دولية للحدّ من هذه الظاهرة، لكن التصدي للمشكلة يبقى شأناً وطنياً، ودور المنظمات داعم ومكمل، منوهاً بصدور العديد من التشريعات والقوانين في سورية تتعلق بقضايا الزواج وحماية الأطفال، مثل قانون الأحوال الشخصية الذي عُدّل أكثر من مرة، وقانون الشؤون المدنية، وقانون حماية الطفل الذي، حسب وجهة نظره، لا يزال بحاجة إلى تعديل بما يتناسب مع الواقع الراهن، ولكن للأسف في سورية ليس هناك قرار أو توجّه حقيقي تجاه هذا التحدي، ويعود ذلك –بحسب رأي رزق الشخصي– لعدم الرغبة بالخوض في مواجهة مع المؤسّسات الدينية التي لا تعتبر زواج الأطفال خطيئة، كذلك الحال للأعراف الاجتماعية والثقافية المشجّعة للزواج المبكر بشكل عام.
حوار جريء
ولحلّ هذه المشكلة يؤكد رزق أنه لا بدّ من التوجّه إلى حوار جريء ومنتج مع المؤسّسات الدينية للوصول إلى رأي متجدّد تجاه الظاهرة من خلال تحليل آثارها السلبية، وفي مرحلة لاحقة حملات لتغيير الأعراف والتقاليد المجتمعية، وفي المرحلة الأخيرة تعديل القوانين بالشكل المناسب.
وذكر رزق أن منظمة اليونيسيف سعياً منها للحدّ من هذه الظاهرة التي تظلم الفتيات الصغيرات دون سن الثامنة عشرة، اعتمدت مصطلح زواج الأطفال ليشمل الذكور والإناث بدلاً من الزواج المبكر أو زواج القاصرات، لتشير من خلال التسمية إلى خطورة ما يجري باسم الزواج من انتهاك للطفولة.
مخاطر صحية ونفسية
الدكتورة إيمان العثمان اختصاصية في الطب النفسي والعلاجي أوضحت أن النساء اللواتي يتزوجن بعمر أقل من 15 عاماً يكنّ أكثر عرضة للعنف الجسدي أو الجنسي بنسبة 50% عند مقارنتهن بالفتيات اللواتي يتخذن خطوة الزواج بعد عمر 18، مؤكدة أن العنف لا يسبّب أضراراً جسدية فحسب للفتيات القاصرات، ولكنه يترك آثاراً نفسية عميقة بعيدة المدى لدى هؤلاء الفتيات.
وعرجت العثمان على الآثار الصحية أيضاً التي تتعرّض لها الفتيات، خاصة وأن الأعضاء التناسلية للفتاة تكون غير مكتملة النضج، مما يجعل الفتاة لا تتحمّل أعباء الولادة، وتكون أكثر عرضة لأمراض السكري والضغط وولادة أطفال مشوهين خلقياً، بالإضافة إلى تسمّم الحمل وفقر الدم وصعوبة الولادة والإجهاض.