دراساتصحيفة البعث

تكتيكات ليّ الذراع الأمريكية لن تجدي نفعاً

عناية ناصر

تسبّبت الحرب الهمجية التي تشنّها “إسرائيل” على غزة منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، التي راح ضحيتها أكثر من 20 ألف فلسطيني وجُرح أكثر من 53 ألفاً آخرين، في دمار هائل للمنازل في القطاع وجعلت أكثر من مليوني شخص في غزة في وضع كارثي. ونتيجة لذلك كانت هناك موجة متزايدة من التعاطف مع معاناة الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، وإدانة للقصف “الإسرائيلي” الوحشي.

ومن المؤسف أن المحاولات اليائسة التي بذلتها الأمم المتحدة لوقف الأعمال العدائية وتحقيق وقف مستدام لإطلاق النار قد فشلت حتى الآن في تحقيق النتائج المرجوة، وذلك لأن الولايات المتحدة تحاول بكل الوسائل توفير غطاء دبلوماسي للعمليات العسكرية الإسرائيلية، وعرقلة قرارات مجلس الأمن والتصرّف ضد الإرادة المعلنة بوضوح لأغلبية دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي 22 كانون الأول، قرّرت الدول العربية، من خلال ممثل دولة الإمارات العربية المتحدة في مجلس الأمن إجبار الهيئة الرئيسية للمنظمة على اتخاذ قرار متفق عليه. ونتيجة لذلك، وافق مجلس الأمن على قرار يدعو إلى هدنة إنسانية بين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية، وزيادة المساعدات لغزة، وخلق الظروف التي تسمح بوقف مستدام للأعمال العدائية.

رفضت واشنطن، على مرأى ومسمع من العالم، وبشكل قاطع الموافقة على وقف عاجل للأعمال العدائية، ووقف إطلاق النار. بالإضافة إلى ذلك، رفض الأمريكيون اقتراح إنشاء آلية مراقبة في قطاع غزة تحت رعاية الأمم المتحدة بالأفراد والمعدات اللازمة بقيادة الأمين العام للأمم المتحدة. وطالب الأمريكيون بتأجيل التصويت على القرار أربع مرات، تجنّباً للصياغة الواضحة، وفي النهاية أعرب ممثل “إسرائيل” عن امتنانه للولايات المتحدة، في حين وصفت المقاومة الفلسطينية القرار بأنه خطوة غير كافية لأنه لم يتضمّن وقف إطلاق النار. وجاء في بيان نشر على الموقع الرسمي للمقاومة الفلسطينية أن قرار مجلس الأمن الدولي لا يلبّي متطلبات الوضع الكارثي الذي خلقته “إسرائيل”. وأضاف: إن الإدارة الأمريكية عملت جاهدة خلال الأيام الخمسة الماضية على تجريد القرار من جوهره وتقديمه بهذه الصيغة الضعيفة.

ووصفته العديد من منظمات حقوق الإنسان، ولا سيما منظمة أطباء بلا حدود، بأنه “لا معنى له تقريباً”. وقال الممثل الروسي لدى الأمم المتحدة  فاسيلي نيبينزيا: إن الولايات المتحدة “لجأت إلى تكتيكات ليّ الذراع المفضّلة لديها” ووصفت النص بأنه “بلا فائدة”. وبعد التصويت، قال الأمين العام للأمم المتحدة: إن الهجوم “الإسرائيلي” يمثل مشكلة حقيقية، ويخلق عقبة كبيرة أمام المساعدات الإنسانية. وأضاف: إن “وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية هو السبيل الوحيد للبدء في تلبية الاحتياجات الماسة لسكان قطاع غزة وإنهاء الكابوس المستمر الذي يعيشونه”.

وفي سياق متصل، أكد نيبينزيا، أن سلوك الولايات المتحدة المخزي والساخر، الذي عرقل قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن غزة، أعطى “إسرائيل” الضوء الأخضر لارتكاب جرائم حرب. لقد تم إضعاف صياغة نص القرار بشكل أساسي بسبب ضغوط الولايات المتحدة، في حين أن البنود المعتمدة في الوثيقة تحافظ على سيطرة  “إسرائيل” على جميع المساعدات. وحتى الصحافة الأمريكية تدرك أن هدف نتنياهو المتمثل في تدمير المقاومة الفلسطينية غير واقعي. وفي جميع استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن 72% من الفلسطينيين في غزة وافقوا على عملية “طوفان الأقصى” التي شنّتها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول، وهي نسبة ترتفع إلى 82% بين سكان الضفة الغربية.

إن تصرّفات إدارة بايدن فيما يتعلق بالحرب في غزة مثيرة للاشمئزاز، فحتى توماس فريدمان، كاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز”، كتب في 23 كانون الأول، أن الولايات المتحدة يجب أن تخبر “إسرائيل” بوضوح أن هناك حاجة إلى انسحاب كامل من قطاع غزة مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن “الإسرائيليين” ووقف دائم لإطلاق النار تحت إشراف دولي.

وكانت جماعات الإغاثة العاملة في غزة قد انتقدت قرار مجلس الأمن باعتباره أضعف من أن يساعد في تخفيف معاناة الفلسطينيين. لقد كان تعامل واشنطن مع صراع الشرق الأوسط مثالاً كلاسيكياً على النفاق. كل الأحداث المتعلقة باعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتاريخ 22/12/2023 تظهر أن الإدارة الأمريكية تعارض نفسها أمام المجتمع الدولي برمّته، وتعطي عملياً تفويضاً مطلقاً لقتل الفلسطينيين. ومن خلال القيام بذلك، لا تسترشد واشنطن بمصالحها الوطنية، بل بالرغبة في محاباة “إسرائيل” قدر الإمكان. وفي هذا السياق تحذر العديد من الصحف من أن الولايات المتحدة ستدفع ثمناً باهظاً نتيجة لهذا المسار الذي لن يأتي إلا بنتائج عكسية.