بين صنعاء وغزة.. الإنسانية في مهبّ الريح
أحمد حسن
ليس من خلاف بين متابعي “الحال العربي” حول حقيقة بلوغه مستوياتٍ غير مسبوقة في التردّي، لدرجة أن بعض العرب لم يستطيعوا، بالأمس، إخفاء سعادتهم بالعدوان الأمريكي – البريطاني على اليمن، وأن هذا البعض ساعد ويساعد “إسرائيل” للخروج من مأزق غزة منتصرة، وبالتالي هو منزعج للغاية من دعوى جنوب إفريقيا ضدّها أمام محكمة العدل الدولية.
ما سبق ليس استنتاجاً من مواقف ملتبسة أو تصريحاتٍ غامضة، بل قراءة في واقع معلن، فلا أحد منهم وقف فعلياً مع دعوى جنوب إفريقيا التي تشكّل كما قال بيان القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي: “صرخة قوية أكّدت أن الشعوب والدول المناضلة لا يمكن أن تسكت على جرائم الكيان وحماته”، بينما ذهب بعضهم الآخر، في مجال “الشماتة” باليمن، إلى حدّ أن أحد كبار “كتابهم”، وأحد ألسنتهم الحربية، اعتبر أن “هذه الضربات تمثل ضربة للصدقية الأميركية والأوروبية في التعامل مع منطقتنا”، وكي لا يذهب بنا حسن الظن إلى أن “الكاتب” يعيد تضرّر الصدقية الغربية لافتضاح ازدواجية الموقف الأمريكي – البريطاني في المنطقة، وتحديداً من “إسرائيل” وجرائمها، فإنه يعلن فوراً أن سبب “عتبه” هذا هو التأخّر في تنفيذ الضربة، من جهة أولى، وعدم شمولها، من جهة ثانية، بقية قوى المقاومة في المنطقة، فالرجل، كمن ينطق بلسانهم، يريد أن يكون “موقف الولايات المتحدة، والأوروبيين، من الميليشيات (أقرأ المقاومة) موقفاً استراتيجياً”، أي أن يكون في سياق حرب دائمة ومستمرة لا تُبقي ولا تذر.
وأكثر من ذلك، فإن هؤلاء دأبوا، ومنذ فترة طويلة، على اتهام المقاومة بأنها السبب فيما يحصل لنا وهي أُسّ كوارثنا ومآسينا، ولولاها لكنّا نعيش في “سلام ونبات”، وهذا كلام، إضافة إلى أنه خاطئ، مضلّلٌ وخطير جداً، فهو لا يبرّئ المجرم الحقيقي فقط من جريمته -أي الاستعمار بنسخته البريطانية التي قسّمت البلاد ورعت قيام “إسرائيل”، ونسخته الأمريكية التي حملت الراية وحافظت عليها مرفوعة حتى الآن- ولا ينكر أيضاً أن المقاومة ليست إلا نتيجةً وردّ فعل طبيعياً وشرعياً وفق كل شرائع السماء وقوانين الأرض ضد هذا الظلم المستمر، بل إنه، وهذا هدفه الحقيقي، يسعى إلى خلق وعي زائف بالمشكلة ويساهم عن عمد في توجيه طاقة الشعب في اتجاهات أخرى ليس لها، بالمحصلة، إلا أن تديم التبعيّة للمركز الرأسمالي المتوحّش مع كل نتاجه من عروش و”كروش” وتؤبّدها كقدر ناجز ولا مفرّ منه.
بهذا المعنى، لا ولن نستغرب أن ينهي هذا “الأحدهم” مقاله الداعم للعدوان على اليمن بالقول: إن “صدقية الولايات المتحدة وأوروبا اليوم في مهبّ الريح”، فهناك من قال سابقاً – مخاطباً أوباما ليحثه على ضرب سورية – “ما لنا غيرك يا مولانا”!، لكن وكما عرّت سورية و”كفاح محور المقاومة وتصدّيه القوي لقوى الهيمنة والصهيونية والإرهاب في المنطقة”، خلال السنوات الماضية، كما قال بيان “القيادة” المذكور، عروبتهم وإنسانيتهم من كل ضلالاتها اللغوية، والدموية بالنتيجة، فإن اليمن وجنوب إفريقيا يفضحانهم اليوم ويلقيان بهم، وبإنسانيتهم المزعومة، في مهبّ رياح التاريخ التي لا تُبقي ولا تذر.