نقص العمالة بعين “العمال” فائض بعين الحكومة.. دور الدولة المقبل أمام تعديل “بتلميح وزيرين”!
دمشق – ريم ربيع
هل بتنا اليوم مضطرين للاختيار مابين التوظيف الاجتماعي –إن وجد- أو الرواتب الجيدة التي تحقق الحد الأدنى من المعيشة؟ هو تساؤل طُرح اليوم في الورشة الحوارية التي أقامها اتحاد العمال، ليفتح الباب على مختلف الهموم المعيشية والاقتصادية من الرواتب للإنتاج والأسعار والموارد البشرية وقوانين العمل وحقوق كل جهة، وصولاً لتعريف وهوية الاقتصاد، وما هو دور الدولة في الوقت الحالي، والذي اعتبر البعض أن الإجابة عليه كفيلة بحل الكثير من المشاكل.
رئيس اتحاد نقابات العمال جمال القادري رأى أنه لا يوجد تشغيل اجتماعي في سورية، ففائض العمالة موجود ببعض القطاعات فقط، وسببه ضعف الإدارة، لكن بالعموم اليوم كل مواقع العمل تشكو نقص عمالة، ونحن بأمس الحاجة لها، والتوظيف الاجتماعي واجب على أية دولة، مضيفاً أن أجور معدومة (شبه أجور) ومكافحة فساد لا يجتمعان، كما أن التمايز بالتوظيف والرواتب ينطلق من عتبة تحقق الحد الأدنى من المعيشة لكل الأفراد.
وأضاف القادري أنه لا يمكن انتظار الحلول من أحد، فلا بد من اجتراح حلول تساعد صانع القرار لوضع خطوة ببداية الطريق، كما يجب التوجه لواقعية الأهداف، فالسلطة التنفيذية تدفع بكل قوتها للإنتاج الزراعي لكن أين المقومات؟ ومن جهة أخرى يقول البعض إنه يجب الاعتماد على القطاع الخاص، لكن بدوره كل يوم (بياكل طيارة) بالقرارات، وأصبح يعمل بظروف سيئة جداً، مبيناً أنه يوجد أهداف متناقضة للسياسات، فالكل متفق أن الموارد قليلة، ولكن هل تدار بالشكل الأمثل؟ إذ أن إشكاليتنا بغياب الاستراتيجيات واعتماد التجريب، مجيباً على التساؤل حول هوية الاقتصاد بأننا أمام اقتصاد ليبرالي متوحش على أرض الواقع.
وعلى عكس القادري رأت وزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف أن التوظيف الاجتماعي كان ولا يزال وقد يبقى قائماً، فالقطاع الخاص لا يشغل أكثر من 3%، كما يوجد فائض عمالة وسوء استثمار بالقطاع العام الاقتصادي، مؤكدة أن الحكومة لن تتخلى عن المسؤولية المجتمعية، فيما تفرض التحديات الاقتصادية والتطور التكنولوجي إعادة هيكلة دور الدولة، والذي يتحدد -وفق دراسات عدة- بإدارة السوق وليس بدخول الإنتاج، مضيفة أن الدعم موجود وليس وهماً أو شماعة لأي شيء، كما كانت سياسة هيكلة الدعم واضحة أنها ستتجه لزيادة الأجور والتعويضات وهو ما حدث.
وأوضحت السفاف أن الأجر يرتبط بالإنتاج، وحالياً يصعب قياس إنتاجية العامل بالقطاع العام، معتبرة أن قانون العاملين نقطة سوداء بتاريخ الإدارة بسورية، وحالياً انتهت الدراسة الأولية لتعديله وستطرح للحوار، وهو يتضمن فتح سقف الراتب، كما يوجد مشروع لإعادة هيكلة وزارة الصناعة، مما يقتضي إعادة التفكير بدور الدولة بالقطاع الصناعي.
بدوره اعتبر وزير الشؤون الاجتماعية والعمل لؤي المنجد أن مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي ضرورة، ولا غنى عنه بالسوق، وقانوناً هو المطبق، ولم يطرح بديل قانوني له، متسائلاً بمعزل عن منصبه الوزاري: هل وصل دعم القطاع الصناعي والزراعي للعمال والفلاحين؟ وهل ارتقت أي من إجراءات الدعم السابقة لمستوى سياسة؟ فالدعم مختلف تماماً عن الحماية الاجتماعية وهناك إشكالية بالتعاريف، وهل مورس الدور الأبوي بطريقة صحيحة وحقق هدفه؟
وأوضح المنجد أن الوزارة بصدد رسم سياسة شبكات الحماية الاجتماعية، لتكون أساس إعادة النظر بدور الدولة، والانتقال من سياسات دعم لا تحقق هدفها لسياسة واضحة الأهداف والأدوات مقرة من كافة فئات المجتمع، مضيفاً: في اجتماعات سابقة قلنا للقطاع الخاص أنه أمام فرصة تاريخية لمنظومة تشريعية متكاملة، تنهي العلاقة الضبابية بين الحكومة والخاص والعمال المبنية على أساس (الكل عم يلعب عالكل والكل ساكت للكل) وطلبنا مشاركتهم بقوانين العمل، وحتى اليوم لم يرد أي مقترح، فالجرأة تحتاج عدة أطراف والحكومة من جهتها جريئة بانفتاحها على المقترحات، والواضح أن هناك إعادة نظر لعدة أمور كانت سابقاً غير قابلة للنقاش.
من جهته، رأى الدكتور بسام أبو عبد لله أن التوظيف الاجتماعي موجود بدلالة الثقل البيروقراطي الذي نعاني منه، وهذه الكتلة أصبحت عبئاً اليوم وهي ذاتها المطالبة بزيادة الرواتب، معتبراً أن مصطلح الدولة الأبوية لا يزال صالحاً، لكن لمن وكيف؟ فالمطلوب ليس إعالة بل تمكين، وسلسلة الرواتب والأجور لا يمكن أن تكون عادلة مع التوظيف الاجتماعي، كما أن سياسات الدعم خط أحمر لكن لا بد من تنظيمها، فما يحتاج دعم هو الصحة والتعليم والنقل العام فقط، بينما اعتبر الخبير الاقتصادي د.علاء الأصفري أن الحكومة تتجه للجباية بشكل عنيف، ولا نجرؤ أن نضع يدنا على الجرح، فاليوم إما يخفض التضخم قسراً وهذا غير متاح، أو يقدم دعم لا متناهي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوقف الجباية ريثما يتم التمكين.
واعتبر مشاركون وخبراء أن هناك سعي صريح لقتل القطاع العام، فالموظف بات يذهب لوظيفته بهدف الرشوة فقط، معتبرين أن واقع اليوم هو نتيجة سياسات دعمت القطاع الخدمي من قبل الحرب بعيداً عن الإنتاج الحقيقي، فيما استبعد آخرون إمكانية الوصول لأية نتيجة طالما لا يوجد بيانات دقيقة ولا تكشف الحكومة عن أرقامها.