دراساتصحيفة البعث

أمريكا تسخّر الأمم المتحدة لحماية الملاحة الإسرائيلية

د.معن منيف سليمان

تعمل الولايات المتحدة جاهدة على حماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وضمان سلامة السفن المرتبطة بالكيان، عبر تسخير مؤسسات الأمم المتحدة لاستصدار قرار أممي يدين “هجمات اليمنيين على السفن في البحر الأحمر”، ويطالب القوات اليمنية بالوقف الفوري لهذه الهجمات، بعد أن كثفت القوّات المسلّحة اليمنية هجماتها على السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى “إسرائيل” في البحر الأحمر، حتى يتوقف العدوان الصهيوني ويُرفع الحصار عن قطاع غزّة، وهي معادلة ردع وتوازن جديدة أرست قواعدها صنعاء في مضيق باب المندب.

فخلال الأسابيع الماضية، شنّت القوات المسلّحة اليمنية عدّة عمليات نوعية استهدفت سفناً تجارية مرتبطة بـ”إسرائيل” أو متّجهة إلى موانئ إسرائيلية، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي. ودفع هذا الوضع الولايات المتحدة إلى تشكيل قوّة بحرية متعدّدة الجنسيات تشارك فيها عدّة دول عبر دوريات مشتركة جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، ضمن ما أطلقت عليها عملية “حارس الازدهار” لحماية حركة الملاحة البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر.

ومن باب الواجب الأخلاقي والديني والإنساني تعهّدت القوات المسلّحة اليمنية بمواصلة الهجمات إلى أن توقف “إسرائيل” عدوانها على قطاع غزّة، وحذّرت من أنها ستهاجم السفن الحربية الأمريكية إذا ما تعرّضت القوّات المسلّحة نفسها للاستهداف. هذا التحذير الذي تمّ تنفيذه فعلاً بعدما استهدفت القوّات البحرية الأمريكية زوارق لعناصر البحرية اليمنية ما استوجب الرّد بالمثل عبر عملية عسكرية مشتركة بوابل كبير من الصواريخ البالستية والبحرية وطائرات مسيّرة استهدفت سفينة أمريكية كانت تقدّم الدعم للجيش الإسرائيلي.

وهكذا لجأت الولايات المتحدة كعادتها في كل مرّة إلى تسخير مجلس الأمن لاستصدار قرار أممي يشرّع عدوانها ويسوّغ دعمها لـ”إسرائيل”، فتقدّمت بمشروع قرار ينصّ أبرز شروطه على حق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وفقاً للقانون الدولي، في “الدفاع عن سفنها من الهجمات، بما في ذلك تلك التي تقوّض الحقوق والحريّات الملاحية”.

ولا شك أن هذا الشرط يحاول فرض حلول أحادية بالقوة من جانب أمريكا لإنقاذ ربيبتها “إسرائيل”، وبالتالي هو قرار مسيّس بامتياز، ولعبة سياسية تهدف إلى دعم وتشريع لعملية “حارس الازدهار” التي شكّلتها أمريكا في البحر الأحمر، وتسويغ للأعمال العدوانية العسكرية التي سوف يشنّها هذا التحالف ضدّ اليمن في المستقبل القريب. ويتجاهل في الوقت نفسه المشكلة الأساسية وهي العدوان الهمجي الصهيوني على قطاع غزّة والإبادة الجماعية التي ينفذّها جيش الاحتلال ضدّ المدنيين في القطاع.

إن هذا القرار الأممي لا يدعو إلى معالجة جذور الصراعات التي تشعل التوترات الإقليمية، إلا من خلال وجهة النظر الأمريكية التي ترى ربط هجمات القوّات المسلّحة اليمنية بالوضع في غزّة من شأنه أن يشجّع القوّات المسلّحة اليمنية، ويخلق سابقة خطيرة في المجلس، من خلال إضفاء الشرعية على هذه “الانتهاكات” للقانون الدولي.

وفي الوقت الذي ألقى فيه القرار اللوم على إيران متهماً إيّاها بأنها المورّد الرئيس للأسلحة التي تصل إلى اليمن، غضّ الطرف عن الدعم الأمريكي غير المحدود للكيان عسكرياً ولوجستياً وإعلامياً في حربه الدموية العبثية ضدّ قطاع غزّة، وفي ذلك ازدواجية فاضحة في المعايير.

وكان الأجدى بمجلس الأمن الذي تتحكم في قراراته الولايات المتحدة أن يراعي مشاعر العالمين العربي والإسلامي تجاه إخوانهم في قطاع غزّة ويطالب الكيان الصهيوني بوقف العدوان على قطاع غزّة فوراً، والإفراج عن أكثر من مليوني فلسطيني في سجن مفتوح يمارس فيه أبشع أنواع العقاب الجماعي، من حصار وتجويع وتعطيش وقتل وإبادة جماعية.

كل هذا يشير إلى الدور الأمريكي الخبيث في تسخير المؤسسات الدولية لإنقاذ الربيب الإسرائيلي من ورطته، ما يفضح الدور المشبوه للأمم المتحدة، وحجم التواطؤ إلى جانب الولايات المتحدة، ومشاركتها في الجرائم بالسكوت والتشجيع والعون والمساندة من خلال الموافقة على قرارات باطلة ومجحفة.