تحدّي الصين وروسيا للنظام الاقتصادي الدولي
عناية ناصر
قادت الولايات المتحدة النظام الاقتصادي الدولي على مدى الأعوام الثمانية والسبعين الماضية، ولم يكن يشكّل عليها تحدّياً خطيراً سوى الاتحاد السوفييتي، إلا أن الصين بدأت تشكّل تهديداً خطيراً للولايات المتحدة من خلال محاولتها استبدال الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية. وحسب صندوق النقد الدولي، يعدّ اليوان الصيني ثالث أكبر عملة لتمويل التجارة وخامس أكبر عملة للدفع، وهو عملة حقوق سحب خاصة مع المستثمرين الأجانب الذين يطالبون بزيادة تدويل الرنمينبي.
وخلال قمّة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة، ناقش الرئيس الصيني شي جين بينغ الاقتراح الجديد حول ضعف الاقتصاد الصيني في مواجهة الدولار، وكيف يرغب في إنشاء نظام جديد يقلل من نفوذ الدولار العالمي. يهدف شي من خلال طرحه إلى وضع الصين على رأس النظام الاقتصادي العالمي، بمعزل عن تأثير الدولار فيما يتعلق بالعقوبات ونظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت” التي تأسست في عام 1973 كمزوّد عالمي يربط حوالي 11000 بنك وتستخدمه أكثر من 200 دولة. تحتكر شركة “سويفت” فعلياً البورصات المالية في العالم، ويكاد يكون من المستحيل ممارسة الأعمال التجارية دونها. ومع ذلك، يخطّط شي للتفوق على شبكة سويفت التي تقودها الولايات المتحدة من خلال نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (CIPS) التي تقودها الصين ونظام نقل الرسائل المالية (SPFS) الذي تقوده روسيا، ما يثبت أنه منافس هائل لشبكة “سويفت” الأمريكية في سعيها لإعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية.
تأثير الحرب الروسية الأوكرانية في اليوان الصيني
حظيت العملة الصينية باهتمام كبير عندما بدأت الحرب في أوكرانيا في عام 2022، وبسبب العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة وحلف الناتو عقوباتٍ شديدة منعت البنوك الروسية من استخدام نظام “سويفت” المصرفي الدولي، ما جعل من المستحيل على البنوك الأخرى التعامل مع روسيا، كما أدّت هذه العقوبات إلى تجميد الأصول الروسية المحتفظ بها في الخارج، وأوقفت المدفوعات عبر الحدود. ونتيجة لذلك عرضت الصين مساعدة اقتصاد روسيا المتعثر ومحاولة فك عزلتها الاقتصادية من خلال الموافقة على زيادة تبادل التجارة بين اليوان والروبل. وهذا يسمح للصين بزيادة نفوذها الاقتصادي، ويساعد على إبقاء الاقتصاد الروسي واقفاً على قدميه، ويبعد الدولار عن المشاركة في الشراكة الاقتصادية ذات المنفعة المتبادلة بين البلدين.
وفي شباط 2022، بلغ إجمالي حجم التجارة بين اليوان والروبل حوالي 2.2 مليار يوان، وارتفع إلى 201 مليار يوان بحلول نهاية العام. وفي الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023، ارتفع حجم التجارة الثنائية بنسبة 32 بالمئة، ليصل إجمالي حجم التجارة إلى 155 مليار دولار، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية. وخلال اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشي في أولمبياد بكين 2022، تعهّد الجانبان بتعزيز التجارة الثنائية إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2024. وستركز التجارة المتزايدة بين البلدين على الفائض التجاري الروسي الذي يصدر النفط والفحم والمعادن الحيوية الضرورية لتصنيع أشباه الموصلات في الصين.
البديل الصيني
تحاول الصين منذ سنوات إنشاء طريقة بديلة لـنظام “سويفت”، وكان نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود CIPS هو أفضل محاولة حتى الآن. لقد تم اقتراح فكرة إنشاء هذا النظام في عام 2009، مع التركيز في البداية على زيادة التجارة. وفي عام 2015، تم إطلاقه لتوفير نظام دفع دولي بديل يعتمد على اليوان الصيني، وربط الحسابات الداخلية والخارجية مع البنوك المشاركة، التي يمكنها تقويض العقوبات الأمريكية لأنها لا تعتمد على الدولار في المعاملات. تعدّ فكرة إلغاء الدولرة مفهوماً سائداً لدى الصين وحلفائها، وبدءاً من كانون الثاني 2022، حيث يخدم نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (CIPS) حوالي 1280 مؤسسة مالية في 103 دول. الهدف الواضح للصين هو تدويل استخدام اليوان من خلال نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (CIPS)، وقد بدأت المزيد من الدول في الانضمام إليه، حيث قرّرت الأرجنتين في نيسان 2023 التحوّل إلى اليوان بدلاً من الدولار عند دفع ثمن الواردات الصينية. ووافقت البرازيل أيضاً على تسوية جميع المعاملات التجارية بعملات بلدانها بدلاً من استخدام الدولار في آذار 2023.
تعمل هذه التغييرات في السياسات بشكل فعّال على تقليل الاعتماد العالمي على الدولار في حين تعمل على تحقيق هدف الصين المتمثل في التدويل الاقتصادي للرنمينبي.
البديل الروسي
قرّرت روسيا في عام 2014 إنشاء نظام دفع بديل قائم على الروبل يسمّى نظام نقل الرسائل المالية (SPFS) رداً على تهديد الولايات المتحدة و”سويفت” للاقتصاد الروسي. وعندما بدأت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة على الحدود الأوكرانية، ردّت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على ذلك بالتهديد بإخراج روسيا من نظام “سويفت”. وكان هذا يستهدف البنوك المملوكة لروسيا، وبالتالي يزيل قدرتها على شراء الأسلحة الأجنبية، والتكنولوجيا الحساسة، والمعدات الأساسية لصناعة النفط المتنامية في روسيا. أصبح نظام الدفع البديل هذا مفيداً جداً لروسيا منذ العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا في عام 2022، وتواجه روسيا هجمة من العقوبات من “سويفت” وبقية النظام المالي العالمي. ومع ذلك، فإن فعالية البرنامج الخاص للأمن الغذائي تقتصر على الاقتصاد المحلي في روسيا، حيث يوجد ما يقدّر بنحو 400 بنك فقط. التهديد الحقيقي الذي يشكّله نظام “نقل الرسائل المالية “هو المحادثة التي تجريها الصين وروسيا حول ربط نظام نقل الرسائل المالية (SPFS) مع نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (CIPS) للتغلب على حظر “سويفت” من خلال التداول حصرياً باليوان لتوسيع قدراتها.