“مسؤولون غيورون”!!
لينا عدره
مشهدٌ يكاد يتكرّر في معظم اللقاءات الصحفية التي نقوم بها أثناء عملنا، أبطاله “مسؤولون” يتفننون باستعراض أناقتهم، أو سلاسلهم الذهبية، أو ساعاتهم الباهظة الثمن، والتي يحتاج أحدهم إذا ما فكّر بشراء أي منها لادخار راتبه الوظيفي أقلُّهُ لمئة عام، مع يقيننا بعدم قدرته على شرائها، فكيف إذا كان ثمن الواحدة من هذه الساعات يصل إلى مئات الملايين؟! وكيف إذا كانت دقتها لا تكتمل إلا مع أحدث الهواتف المحمولة “المجمركة” طبعاً! إضافةً إلى أفخم ماركات الثياب التي يحرص على ارتدائها، ليظهر أمام المواطنين بالمظهرٍ اللائق.. ثم بعد كلّ تلك الاستعراضات يُباغتك بشيء من التعالي: من يقرأ؟ ومن يكترث بالإعلام؟!
موقفٌ قد يبدو عفويّاً للوهلة الأولى، إلا أنه في الحقيقة يعكس رغبة هكذا “مسؤولين” بألا يكون الإعلام موجوداً أصلاً، وكلامهم هذا ليس من باب الأسف والحرص على دور الإعلام، وليس من باب الغيرة على المصلحة العامة، بل هو انعكاسٌ لأمنية مزمنة بتعطيل هذا الإعلام وكفّه عن ممارسة أي دور، لأن ذلك وحده سوف يمكنهم من التحرك في العتمة المريحة و”المطمئنة”، مع علمنا المُسبَق بأن هذا النوع من المسؤولين هو، حقيقةً، من يعرقل دور الإعلام، وأنه موجود في كلّ مفاصل العمل الحكومي، من دون استثناء، وأن رفضهم التعاون مع الإعلام ليس بسبب ظروفٍ معينة خارجة عن إرادتهم، أو لعدم توفر ما هو مهمّ للحديث عنه، ولكن لحرصهم على التكتم.. تكتم يوفر الحماية لهم ولتجاوزاتهم، ليبقى تجاوبهم مع الإعلام من باب النزول عند مقتضيات الوظيفة، أو تنفيذاً لأوامر تصلهم من إداراتهم.
مما يبعث على الأسى أننا بتنا نلحظ مظاهر البذخ والترف المفرط هذه كحالة مألوفة من التناقض الذي يلف حياتنا العامة، ورغم الظروف والمشكلات والصعوبات وحالة العوز الراهنة التي تعاني منها الدولة. أثناء دخولك أي منشأة أو مؤسّسة عامة حكومية. لذلك، وإذا كان هناك رغبة حقيقية بمكافحة الفساد، فمن الأَولى أن تبدأ بمتابعة مثل تلك المظاهر، وألا ننتظر سير الدعاوى في هذه الملفات عير القضاء والمحاكم، خاصةً وأنها مظاهر من الفساد لا تحتاج لمحققين لاكتشافها، وبإمكان أي مواطن عادي أن يلحظها ويكشفها بكل سهولة، كونها حقائق صارخة ماثلة أمام أعيننا لدرجةِ أنها تصدمنا بفجاجتها، بل وبوقاحتها وحتى استهتارها، فيما تعجز الجهات الرقابية في تلك الإدارات والقائمون عليها ولجان التفتيش والرقابة، سواء داخل أو خارج تلك المؤسسات، وكل الجهات المعنية بالإثراء غير المشروع، عن اكتشافها؟ ما يدفعنا للشك بأن هناك قطبة أو قطباً مخفية.
لذلك أيها المسؤول الغيور.. إذا كنت فعلاً حريصاً على دور الإعلام، فلتترجم أقوالك إلى أفعال، وتبدأ من نفسك وتتعاون معه، حرصاً على المصلحة العامة.. كما تدّعي؟!!