توسّعت الرقعة أم لا.. النتيجة واحدة!!
طلال ياسر الزعبي
تحاول الإدارة الأمريكية جاهدة، منذ عملية “طوفان الأقصى”، الإيحاء بأنها لا تريد توسيع رقعة الصراع في المنطقة. ومن أجل ذلك ادّعت أنها أرسلت حاملة طائراتها “يو إس إس فورد” مع مجموعتها الضاربة إلى شرق المتوسّط لضمان عدم توسّع هذه الرقعة؛ والحقيقة أن دورها كان تقديم الدعم الكامل للكيان الصهيوني في العدوان على قطاع غزة. فالرئيس جو بايدن شارك مباشرة في مجلس الحرب، ظنّاً منه أن ذلك يمكن أن يؤدّي بالفعل إلى الاستفراد بالمقاومة في غزة وتحقيق نصر سريع يمكن أن يزيل جميع الهواجس حول قرب زوال القاعدة أو حاملة الطائرات الأمريكية الثابتة في المنطقة “إسرائيل”، وبالتالي الاستمرار في الهيمنة على العالم انطلاقاً من الشرق الأوسط، وخاصة أن الإدارة الأمريكية بدأت تدرك جيّداً أن الحفاظ على هذه الهيمنة من خلال الدعم المستمر لنظام كييف، في حرب بالوكالة على روسيا، فشل فشلاً ذريعاً، حيث وجدت نفسها مضطرّة لتوجيه الدعم إلى “إسرائيل” التي كانت تعتقد حتى وقت قريب أنها تمكّنت من تثبيت موقع لها عبر الاتفاقيات الأبراهامية، وبالتالي أغفلت إلى حدّ ما استفزاز الصين في الشرق عبر تايوان.
ولكن ظهرت أسباب موجبة لتوجيه حاملات الطائرات الأمريكية إلى البحر الأحمر، بعد أن قامت القوات المسلحة اليمنية باستهداف السفن الإسرائيلية في البحرين “العربي” و”الأحمر”، فضلاً عن العمليات التي تقوم بها المقاومة العراقية ضدّ القواعد الأمريكية في كل من العراق وسورية، وبالتالي تشتّت الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل” في المنطقة، على عدّة جبهات، هي جبهات محور المقاومة التي ظنّت الإدارة الأمريكية أن باستطاعتها أن تبقيها على الحياد عبر التهديد بالقوة.
وإذا كان رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو يدفع منذ البداية باتجاه توسيع رقعة الصراع في المنطقة من خلال الاستهداف المتكرّر للعمقين اللبناني والسوري، وعمليات الاغتيال الممنهجة التي يقوم بها الموساد في المنطقة مستهدفاً قياداتٍ في الحرس الثوري الإيراني، وقادة في المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وحتى العراقية، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الحمقاء انقادت وراء هذه الحكومة المتطرّفة التي يقف على رأسها مجموعة من الإرهابيين الذين يقودون المنطقة إلى حرب شاملة، لاعتقادهم أن مثل هذه الحرب ستساهم في إطالة عمر الكيان الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة.
والحال أن التورّط الأمريكي في عدّة جبهات على مستوى المنطقة والعالم، لا يمكن أن يعدّ مؤشّر قوة، فالخسارة الحتمية على الجبهة الأوكرانية في مواجهة روسيا، بالإضافة إلى تيقّن الساسة الأمريكيين منذ أكثر من شهر أن إطالة أمد الحرب في غزة ليست في مصلحة الكيان الصهيوني، بسبب العجز عن الاستمرار في تزويده بالقذائف الموجّهة، فضلاً عن الضغط الذي يشكّله التصعيد في البحر الأحمر على التجارة العالمية، وخاصة على دول الغرب الجماعي، وما يشكّله ذلك من هزيمة مدوّية أمام اليمن الذي تمرّس على القذائف الأمريكية الموجّهة خلال ثماني سنوات من العدوان، كل ذلك يمكن أن يكون سبباً رئيساً في ردّ القادة الأمريكيين إلى رشدهم، بعد أن تيقّنوا أن الركائز الأمريكية الأربع في الشرق الأوسط أصبحت هشّة، ولا بدّ من البحث عن حل للمأزق الأمريكي الذي يبدو واضحاً أن كلاً من الصين وروسيا وحتى إيران تمكّنوا من جرّ واشنطن إليه، وبالتالي يصبح الاستمرار في التصعيد في المنطقة مسرّعاً للهزيمة الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الركون إلى التفاوض سيكون أيضاً مؤشراً على انحسار الهيمنة الأمريكية على العالم وصعود النظام العالمي المتعدّد الأقطاب، وإن كان ذلك أبطأ.
وسواء توسّعت الرقعة أم لا.. النتيجة واحدة!!