هل يمكن أن يكون سهل الغاب منطقة زراعية خاصة أسوة بالمناطق الصناعية؟
حماة – نجوة عيدة
كما يُقال في العرف الاجتماعي أهل مكة أدرى بشعابها، وبما أن الحديث عن سهل الغاب فإن أبناء هذا السهل أدرى بمشكلاته، فالمياه هي أولى أولوياته وضرورة حتمية لا يمكن تجاهلها، إلى جانب ذلك هناك مشكلات فنية وأخرى قانونية تعيق أي عملية استثمارية أو مشروع، لتنحاز المطالب إلى وجوب تحويل الغاب إلى منطقة زراعية خاصة، فهل من الممكن تحقيق ذلك؟.
وسيم جحجاح مدير مكتب التنمية المحلية في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب أكد في حديثه لـ”البعث” أن سهل الغاب كي يؤدي المهام المنوطة به على أكمل وجه يجب أن ينظر إليه على أنه فرصة، ويتوجّب التخطيط له على هذا الأساس، فهو يحتاج لمشاريع تنموية ضخمة تنقذه وخطط استراتيجية من مستويات عالية، بدءاً من السدود إلى الدعم والتأمين، وفي النهاية النظر إليه بمنظور خاص، غير أن هذه الأماني وعلى ما يبدو تصطدم بإعلاء الصوت، فأي مطلب حقيقي لا يتعدّى غرف الاجتماعات الصغيرة في الهيئة، وإن تعداها لا ينظر إليها بشكل فعلي، حيث بيّن جحجاح أن السهل يجب اعتباره منطقة زراعية خاصة أسوة بالمناطق الصناعية والمعابر الحدودية، تكون له قوانينه وأنظمته ومخصّص بكتلة مالية مستقلة، عازياً ذلك إلى صعوبة القيام بأي مشروع مهما كبر أو صغر حتى على مستوى بناء غرفة صغيرة لتربية بقرة، فكل حبة تراب في الغاب، على حدّ تعبيره، خاضعة لقانوني الحراج واستثمار الأراضي، فأي مشروع داخل المخطط التنظيمي يحكمه قانون استثمار الأراضي، وخارج المخطط يكون تحت حكم نظيره الحراج، وهذا الأمر يمنع الاستفادة من المنح والعطايا التي تمنحها الحكومة، وحتى المزايا التي يقدّمها سيد الوطن من ناحية المراسيم والقوانين والأنظمة المشجعة على الاستثمار، متمنياً أن يأخذ قانون الحراج منحى آخر في التطبيق يحافظ من خلاله على ملكية الدولة للحراج والحفاظ على الغابات ويسمح بإقامة مشاريع استثمارية، إضافة لقانون استثمار الأراضي أيضاً، ورغم أن السهل منطقة استقرار أولى ومناخه وتربته مناسبة لكل المحاصيل، سواء التي تحتاج لبرودة عالية أو حرارة مرتفعة، فإن المشاريع الصغيرة التي تقام فيه اليوم، لا تتعدى الأبر المسكنة، على حدّ تعبير جحجاح.
وبيّن مدير مكتب التنمية المحلية أن فكرة تحويل السهل إلى منطقة خاصة طرح ناجح، لكنه لم يُناقش بشكل فعلي –وعلى اعتبار أننا بلد زراعي– فإن أكبر استثمار يمكن أن يتمّ هو في الاستثمار الزراعي، فمقوماته متوفرة غير أن القوانين والأنظمة أحد الموانع التي تعيقه، إضافة لعدم وجود التمويل المطلوب، ورغم أن مدير التنمية لم يبخس دور المصرف الزراعي في دعمه لمستلزمات الإنتاج الزراعي والمشاريع الصغيرة، غير أنه لم يتردّد في الإشارة إلى أن المصرف يفتقر لوجود خبرات قادرة على تقييم المشاريع الكبرى التي يحتاجها الغاب والجدوى الاقتصادية منها والإمكانيات الفنية والقدرة المالية.
ومن المشكلات التي يعاني منها السهل هي التفتّت الزراعي، والتي اعتبرها جحجاح من أكبر المشكلات التي يعاني منها، موضحاً أن من يملك 30 أو 50 دونماً نسبتهم لا تتعدى 3 أو 10%، بالمقابل هناك 90% من الحائزين لا يملكون سوى 5 إلى 10 دونمات، مبدياً عتبه على البحوث العلمية الزراعية، إذ لم يتمّ العمل من جانبها على إدخال زراعات نوعية لتطوير مزروعات معينة، وبالتالي يبقى المزارع ملتزماً بتوجيهات الدولة وخططها بنسبة كبيرة جداً، وخاصة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والقطن، إضافة لافتقار القطاع الزراعي للتأمين، فجلّ ما يحتاجه الفلاح هو التأمين على أبقاره، فمن يخسر بقرة اليوم في قرى الغاب يخسر كلّ شيء ويقع في العوز والحاجة.
ولأن العقبات كثيرة ومن الضروري الإشارة لها، كان من الجدير الحديث عنه تعدّد الجهات التي تقحم نفسها في العمل الزراعي، ما يؤدي للتقصير والبعد عن الأرض و”الجفا” بين الفلاح ووزارته المعنية على مبدأ “الطبخة لي بيكتر طباخينا بتنحرق”، هكذا عبّر مدير التنمية المحلية عما يعانيه الفلاح للحصول على مستلزماته، فهو يأخذ البذار من مؤسّسة إكثار البذار والأسمدة من وزارة الصناعة، ومن يحدّد الأسعار هي وزارة المالية، ومن يوزع مستلزمات الإنتاج الاتحاد العام للفلاحين والأبقار من المباقر.. وهلمجرا، ناسين أو متناسين أن المزارع الخبير لا يتعدى أجره اليومي دولاراً واحداً، وهذا ما لا يمكن أن نجده بأي بلد في العالم. وفي السياق نفسه أوضح جحجاح أن عمل الهيئة ورغم ضخامة اسمها لا يتعدى إحصائيات الأمطار وتعزيل المياه وحماية الغابات، وهو عمل يمكن أن تقوم فيه أي مديرية في وزارة الزراعة، علماً أن الهيئة تملك كادراً ضخماً ومؤهلاً مؤلفاً من 4000 موظف بكافة الشهادات والاختصاصات.