كل ما تعلّمه الشارع الغربي كذبة كبيرة
تقرير إخباري
تعتمد النظرة الليبرالية الغربية للعالم برمّته حالياً على القدرة على التصنيف النفسي للفظائع الهائلة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، والإجراءات التي اتخذتها الحكومات الغربية لإدامتها. وكل ما يدّعي الليبراليون التقليديون أنهم يعارضونه يتجلى بوضوح في سياسة الكيان المحتل في غزة: عنصرية، فاشية، استبداد، ظلم، إبادة جماعية.
ويبدو أنه يتعيّن عليهم بالضرورة أن يتجنّبوا معارضة هذه السياسة بأي ثمن، لأن هذا من شأنه أن يرقى إلى الاعتراف بولاءاتهم السياسية، ومن شأنه أن يأتي بنتائج عكسية على جو بايدن في عام انتخابي شرس بكل معنى الكلمة، ومن شأنه أيضاً أن يرقى إلى الاعتراف بأن موقفهم السياسي برمّته ضد دونالد ترامب طوال هذه السنوات كان أداء منافقاً، لأنهم يؤيّدون ضمنياً كل ما يزعمون أنهم يكرهونه فيه، وهذا من شأنه أن يرقى إلى مستوى الاعتراف بأن نظرتهم للعالم برمّتها كذبة وأن جميع منتقديهم على يسارهم كانوا على حق.
ولذلك انخرط الليبرالي الغربي في نظام مرهق من التمارين الذهنية المتواصلة لتجنّب وجود وعي حقيقي بما يحدث اليوم في غزة وفي رفح أيضاً التي أغار عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي براً وبحراً وجواً موقعاً عشرات الشهداء المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، بالإضافة إلى تدمير البيوت والمؤسسات الحكومية والمدارس والمستشفيات.
إنهم يتذمّرون بطريقة أو بأخرى، ويحوّلون نظرهم إلى هراء لا معنى له، وعندما يضطرون إلى مواجهة واقع غزة، يبدؤون في التحدّث بالثرثرة حول مدى “تعقيد” الوضع و”فجاعته” وكيف يأملون في استعادة السلام في أسرع وقت ممكن، في حين يتجنّبون بشكل محموم القول بالتحديد كيف يمكن أن يتحقق السلام المنشود.
لقد كشف العدوان الوحشي على غزة عن الأيديولوجية الليبرالية الغربية السائدة بسبب أدائها المنافق الذي كانت عليه دائماً. إن مهمّة من يسمّون أنفسهم ليبراليين “معتدلين” لم تكن أبداً معارضة العنصرية أو الفاشية أو الاستبداد أو الظلم أو الإبادة الجماعية، بل كانت مهمّتهم تقديم يد العون بشكل دائم للوحش ذي الرأسين، وهو الغرب المجرم. وتتمثل مهمّتهم في المساعدة على إضفاء طابع إيجابي على هيكل القوة العالمية الذي يغذيه الدم البشري للمساعدة في انتخاب آل بايدن، وآل ستارمرز في بريطانيا، وترودو في كندا، وأولئك الذين يتظاهرون بالدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، مثلهم مثل كل الحكومات الغربية المتعجرفة.
إن بصيص الأمل الوحيد في هذا الفصل المظلم للغاية من تاريخ البشرية هو أنه قد يبدأ في فتح الأعين على احتيال الفصيل السياسي المهيمن من اليسار المزيف الذي تم تسويقه للجماهير الغربية كبديل لفساد اليمين المتطرف. لذلك، آن الأوان كي يبدأ الشارع الغربي في إدراك أن كل ما تعلّمه عن السياسة وحكوماته وعالمه هو كذبة كبيرة.
هيفاء علي