رهان خاسر
معن الغادري
تزداد دورة الحياة اليومية بكامل تفاصيلها ومفرداتها تفاقماً وحدّة وتعقيداً، بالنظر إلى ضبابية القرارات والإجراءات وعقم المعالجات الحكومية، والتي زادت من اتساع الهوة بين الدخل المتراجع والإنفاق المتزايد، بدلاً من أن تسهم في ردمها أو تضييقها على أقل تقدير!
والمقلق في هذه المعادلة غير المتكافئة أننا على بعد أيام قليلة من استقبال شهر رمضان المبارك، والذي غالباً ما يشكّل فرصة ثمينة وسانحة لضعاف النفوس من التّجار لزيادة مساحة جشعهم واستغلالهم، وتسخير كل إمكاناتهم وشطارتهم لاقتناص هذه الفرصة وتحقيق المزيد من المكاسب والأرباح بطرق ملتوية وغير مشروعة تتنافى مع روحانية ووجدانية شهر الخير والبركة والعطاء، وهو ما يجب أن يكون في حسبان الجهات المعنية والرقابية وفي سلم أولويات عملها اليومي للحيلولة دون افتعال أي أزمة إضافية تضاعف وتراكم هموم ومتاعب المواطن.
وهنا يأتي دور الجهات ذات الصلة على مستوى الوزارات المعنية ومديرياتها المختصة في المحافظات باتخاذ إجراءات استباقية واستثنائية خلال شهر رمضان المبارك للحدّ من الانتشار والتنامي العمودي والأفقي للمتحكمين في السوق.
وبوضوح أكثر لم يعد ممكناً الاتكاء على مسألة الضمير والوازع القيمي والأخلاقي في أي مقاربة مع ما يجري في الأسواق من انفلات واستغلال وغش وتدليس، فهو رهان خاسر تحت أي بند أو شعار، إذ من غير المقبول أن يبقى المواطن ضحية للممارسات غير المسؤولة والقرارات الجائرة، ولقمة سائغة في أفواه سماسرة وحيتان السوق، وبالتالي لا بدّ من إيجاد نواظم وضوابط صارمة لهذا الملف الأكثر إلحاحاً من غيره، للتخفيف ما أمكن من الظروف المعيشية الضاغطة والتي بلغت ذروتها في الآونة الأخيرة، مع استمرار ارتفاع الأسعار وتدني الدخل وتراجع حركة الطلب والعرض.
خلاصة الكلام: بكلّ تأكيد رمضان هذا العام سيكون مغايراً عما سبق، وسيكون أكثر ثقلاً على كاهل الأسرة، نتيجة الظروف الصعبة والضاغطة الناتجة عن تعقيدات الواقع الاقتصادي وتعثر إيجاد الحلول للملفات العالقة، وهنا تبرز أهمية تدخل الهيئات الخاصة والجمعيات الأهلية في إطلاق المبادرات المجتمعية الحقيقية، بعيداً عن الاستعراض والدعاية المجانية، لعلّها تخفف ما أمكن من معاناة المواطنين، وهو الدور الذي يجب أن تضطلع به غرف الصناعة والتجارة على وجه التحديد دون غيرها، بأن تنظم وترعى هذه المبادرات من منطلق الواجب الوطني والأخلاقي والديني في هذا الشهر الفضيل ليكون خفيف الظل على الأسرة وليس عبئاً عليها.