أين جامعاتنا من إبداعنا المعاصر؟
غالية خوجة
تشهد ساحتنا الأدبية العديد من الأعمال الإبداعية في مختلف الأجناس، والقابلة لأن تكون في المناهج التعليمية، وذلك، من دون وساطات ومعايير خارجة عن الإبداع، وأن تكون مراجع ومصادر أساسية على حدّ سواء في التعليم المدرسي والجامعي، كما تقبل تأسيس مشروع محلي لترجمة أعمالنا السورية إلى لغات أخرى، فهل من مجيب؟.
والسؤال: ما دور الجهات المعنية في إيصال أصواتنا ورسائلنا وكتبنا إلى الطلاب والمكتبات الجامعية والمدرسية والمنظمات الأخرى، مثل الطلائع والشبيبة واتحاد الطلبة؟ علماً أن الكثير من أعمالنا موجودة ومرقّمة في الكثير من الجامعات العربية والأجنبية، وبعضها يدرّس باللغتين العربية والأجنبية في بعض جامعات العالم، ومنها مجموعتي الشعرية “أوغاريتيات التجلي” التي تدرّس بالعربية والرومانية في جامعة بوخارست؟.
ولماذا إنتاجنا الإبداعي لا يلاقي حضوره في مؤسساتنا التعليمية، ومنها جامعاتنا السورية، إلاّ من خلال بعض الأساتذة والدكاترة الجامعيين الذين يرشحون عملاً ما لرسالة دكتوراه أو بحث، ربما لمعرفة شخصية بالكاتب، وربما على سبيل المصادفة، وربما لحيثيات أخرى لا نعلمها، ومهما يكن، فهذا الترشيح يعدّ إيجابياً لأنه يساهم في رفد الطلبة بالاطلاع على الأدب المعاصر، سواء أكان مؤلفوه من الراحلين أم الذين سيرحلون؟.
ما دور الجامعات والمنظمات والمؤسسات الأخرى واتحاد الكتّاب العرب ووزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي؟ ولماذا لا تتشابك هذه الجهات باتفاقيات تخصّ هذا الموضوع تحديداً، وتنتهج خطة محورية للعمل معاً، إضافة إلى إشراك الطلاب بالاختيارات المناسبة مع تعليل الاختيارات بنقد موضوعي بنّاء؟.
لعلّ الكثير من طلبتنا، لا يعرفون الكثير من مبدعينا السوريين، وتمثيلاً، لنسألهم: من هي غادة السمان؟ أدونيس؟ شوقي بغدادي؟ حنا مينه؟ حيدر حيدر؟ ولربما، أغلبهم يعرف نزار قباني، لكنهم يجيبون عن غيره: من هو؟ من هي؟ أعرف الفيلم الفلاني! الأغنية الفلانية! المؤثر الافتراضي الفلاني، الراقصة والعارضة الفلانيتين، لاعب الكرة الفلاني، ولعلّ الاسم الذي تسألينا عنه لأحد هؤلاء!.
وكم يفاجأ الطالب عندما تخبره بأنه كاتب أو كاتبة! ليجيبك بأنه يقرأ الكتب المترجمة من اللغات الأجنبية فقط! ويعرف العديد من صفحات الفضاء الأزرق الخاصة بالشعر والحكايات والقصص وأسماء كتبتها الإلكترونيين!.
وعندما نبحث عن هذا الاسم لهذا الكاتب المعروف في الوسائل الافتراضية، نجده من جوقة الإلكترونيين الذين يحشون الأدمغة بالحواس العامة والوجدانات المراهقة، ويدسون أفكارهم الطالحة ضمن الصالحة، ويعملون على تضخيم الذات القارئة المستهدفة من هذه الأجيال، متقنين وظيفة هذا التضخيم للدخول في الأعماق، بهدف التحكّم بهذه الفرائس القرائية القنوعة بالهوامش والتهميش، مما يساهم في عملية تفريغ الوعي من البحث والتساؤل والفاعلية والركون إلى طلب المزيد من هذه النصوص الاستهلاكية المخادعة البعيدة عن الجدية والمعرفة والإبداع.
أعتقد جازمة بأن إضافة حلقات بحث قرائية على هيئة ندوة حوارية ثقافية إلى الأنشطة الثقافية والمناهج التعليمية قد تحرك هذا المشهد، فما أجمل أن تكون هذه الندوة شهرية تقيمها الجهات الثقافية بالتشارك مع الجهات التعليمية في مقراتها، فيكون الكاتب ـ أو الكاتبة ـ حاضراً، ويكون الطلبة قد اطلعوا على أعماله، مع تخصيص كتاب من أعماله للمناقشة في هذه الندوة، وأرشفتها بالوسائل كلها، آخذين بالحسبان أن هذه المادة العملية الميدانية من المنهاج ولها علامات مناسبة، وكأنها حصة المطالعة المنقرضة التي استفادت منها الأجيال السابقة، بينما اقتراحي فيتّسم بأنه حصة مطالعة معاصرة وحداثية وتعارفية متبادلة بين الأجيال والكتّاب الذين سيستفيدون، بدورهم، من هكذا حلقات قرائية نقاشية تتبادل فيها العقول والمخيلات والنفوس والأرواح أفكارها وأساليب التفكير بين إرسال واستقبال، ومن الممكن تطبيق هذه الفكرة مع فئات المجتمع كلها من موظفين وعمال ومهنيين وحرفيين وتجار وصناع، وطبعاً، بحضور المؤلف أو المؤلفة.