تمكين التحول الريفي الشامل والمستدام!
قسيم دحدل
في الحقيقة، ثمّة موضوع لا يزال يثير حيرتنا فعلاً، وهو الواقع الريفي في سورية، إذ نعتقد – صواباً أم خطأ – أن من “حسنات” الأزمة التي مرّت بها سورية، إعادتها لأريافنا صفتها الزراعية بشقيها النباتي والحيواني، في وقت كانت تتجه به – قبل الأزمة – نحو التمدُّن والمدنية التي يغلب عليها صفة الخدمات في أنشطتها الاقتصادية، بعد أن تحوّلت الأرض المُنتجة من ملكية زراعية إلى ملكية عقارية، بمعنى انسلاخ قرانا وضيعنا من جلدها الريفي المعتمد في كليته على الإنتاج الزراعي.
ولعلّ من أبلغ المؤشرات على ذلك – قبل الأزمة – تراجع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، وترافق هذا بتحوّل العديد من القرى إلى مدن صغيرة أو ضواحٍ لمدن كبرى، بعد أن بلغ توسعها العمراني حدوداً لم نعد نميّز فيه القرية من المدينة، لا في أنشطتها وخدماتها ولا في علاقاتها وأساليب عيشها، حيث طغى النمط الاستهلاكي على الإنتاجي، حتى جاءت الحرب لتعيد تصحيح الأمور نسبياً، وترجع للريف شيئاً من خصائصه ومساهمته، وخاصة بعد إعادة الجدوى الاقتصادية للعمل الزراعي، وزيادة الطلب المحلي على المواد والمنتجات الغذائية المحلية على إثر تخلخل سلاسل الإمداد العالمية خلال جائحة كورونا ومن ثم الحرب الروسية الأوكرانية.
تداعيات داخلية وخارجية كان لها آثار وانعكسات سلبية على الأمن الغذائي في سورية، وهذا ما ورد في أحد تقارير برنامج الغذاء العالمي، حيث جاء فيه أن عدد السوريين غير الآمنين غذائياً قد بلغ 12.1 مليون شخص عام 2022، بزيادة نسبتها 51% مقارنة بعام 2019، الأمر الذي اعتبره التقرير مؤشراً بالغ الخطورة على السوريين، إلى جانب منعكسات تراجع الزراعة على المؤشرات الاقتصادية، ومساهمة هذا التراجع في ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وتدني مستوى الدخل، وارتفاع التهديد بالمجاعة وانعدام الأمن الغذائي.
تقرير حاولنا تقصي مصداقيته – لناحية الأمن الغذائي – من الجهات المعنية، فلم نجد سوى التحفظ!! علماً أننا لو حلّلنا الواقع الفعلي للتأثيرات والتحديات والصعوبات المتزايدة على القطاع الزراعي، وربطه بانخفاض الدخل لمعظم السوريين، وتراجع القوة الشرائية للعملة الوطنية في مقابل الارتفاع المستمر والجنوني للأسعار، لوصلنا لنتائج أقل ما يقال فيها إنها “مقلقة”.
ولعلّ هذا القلق لم يعد محصوراً بالحدود السورية، بل تجاوزها للإقليم برمته، وهذا ما تبدّى في القضايا التي اعتمدتها أعمال الدورة 37 لمؤتمر الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” لإقليمي الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، المنعقدة في العاصمة الأردنية عمان، والتي تشارك فيها سورية ممثلةً بوزير زراعتها، حيث تقدّمت قضية “تمكين التحول الريفي الشامل والمستدام” العديد من القضايا المهمّة، ما يوضح الأهمية الكبرى للقطاع الزراعي في مقبل الأيام؛ كما ويوضح أن خيار “التحول الريفي..” خيار لا بدّ منه في “حرب” أمننا الغذائي، بكل ما تعنيه كلمة حرب من معنى؛ لا شكّ سنخوضها مجبرين عاجلاً وآجلاً، وعليه لا بدّ من امتلاك كل عوامل النصر فيها وبأقل أقل الخسائر!!
Qassim1965@gmail.com