ثقافةصحيفة البعث

فنون التراث وفلسفة النهوض من الرماد

حلب – غالية خوجة
ستظل جماليات التراث المادي واللامادي حاضرة بتنوعاتها المتوارثة، لكن بشكل معاصر وحداثي، وهذا ما تثبته الفعاليات المختلفة والمهرجانات المتنوعة والمعارض الزاخمة وهي تحتفل بأعياد آذار ومنها يوم المرأة العالمي والثامن من آذار، وهذا ما لمسناه في معرض “مبدعات للصناعات اليدوية” الذي أقيم ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ـ UNDP، في فندق الميرديان ومهرجان الياسمين والسنديان الذي نظمته غرفة تجارة حلب ـ رائدات سيدات الأعمال، في فندق الشيراتون.
فبالإضافة إلى البعد الاقتصادي لهذه الفعاليات، هناك فضاء فني يعكس ثقافة فكرية حياتية متشبثة بذاكرة الأجداد وحرفهم ومهاراتهم اليدوية، وبلا شك، تضيف إليها لمسات حداثية واضحة، فما أهم هذه الإضافات الجمالية؟
الوقت منسوج بالنول اليدوي
بكثير من الرشاقة والدقة والمخيلة تنتسج خيوط إسماعيل القصيّب، وهي تمر بمراحلها عبر النول اليدوي لترسم وبكل الألوان العديد من الأشكال الهندسية والزخارف واللوحات الشرقية، وتخبرنا عن سيرته معها مذ كان في الثانية عشرة من عمره، وكيف كان جده عبد القادر الذي عمّر 103 سنوات، وأبوه بكري الذي عاش 83 سنة، وكيف واصل نصف قرن مع هذه الأداة الخشبية التراثية وإيقاعاتها ليضيف إليها رسوماً من فكره ـ تبعاً لتعبيره، وهو يجيب “البعث”: أعمل من دون “كتالوغ”، وأعمل دورات مجانية لكل الراغبين بتعلّم هذه المهنة التراثية الشرقية، وابتكرت حمّالات للقرآن الكريم، مستمدة من الباب الرئيس لقلعة حلب، وزينتها بشبّاكين، وأضفت تحديثات للخيوط منها المخمل والبوليستر والدرالون، ووظفت تدوير الأقمشة والملابس وخيوطها وأعدتُ نسيجها بأشكال مختلفة مناسبة لتكون سجاداً ومفارش وقطع للزينة ولوحات، كما أضفت لوحات من أعمالي كخلفية مشهدية للساعات، ما يجعلها توقيتاً تراثياً مستقبلياً، وما يزال لديّ طموح أن أنتج “العباية القديمة”.
يأخذ معه أوردتي
وبدورها، أخبرتنا السيدة سونيا نيرسيسيان، (70) عاماً، أنها ورثت فن الإيتامين والسياخ والمخرز عن والدتها، ولا تجد وقتاً للفراغ، إنها تعمل طوال اليوم وتلفّ الخيوط وتنسجها كألبسة وإكسسوارات ولوحات وبأحجام مختلفة، وونخبرنا أيضاً أنها طورت الإيتامين على الخشب، وأنتجت ميداليات وعلبَ هدايا ولوحات وصوانٍ.
وحول مشاركتها في المعارض والمهرجانات، تقول: “تزيدنا حيوية في الإنتاج، فيكثر الزوار الذين يقدّرون أعمالنا الفنية، وهذا ما لمسته في مشاركتي في معرض “مبدعات”، وفي “مهرجان الياسمين والسنديان”، وشعرت بأن الخيط الذي يتحرك بين أصابعي يأخذ معه من نبضاتي وعمري ليتشكّل عملاً جميلاً، لكنني عاتبة على كثير من النساء من جيلي اللواتي استسلمن للعمر، ولا يرغبن في تطوير أنفسهن، على الرغم من أني شجّعت كثيرات منهن على ممارسة هواياتهن كمنتوج فني.
عربات زهور الخيش
واستوقفني ركن معروضات “جمعية الرجاء لذوي الاحتياجات الخاصة” بين أشغال يدوية وأطعمة، فسألت الطفل عبد الله أنطكلي ـ 17 عاماً ـ عن مشاركته، ويجيبني: “أعمل من الخيش والحبال أعمالاً يدوية، منها أدوات الضيافة الرمضانية، ومنها بيوت صغيرة للزينة، وعربات زهور، وصوان، بينما قال عمر الإبراهيم 19 سنة: “أحب صنع المعجنات وأصناف الحلوى، وأتمنى أن أكون بائعاً أيضاً”.
أمّا عن الجديد، فأخبرتنا رانية صليبي أن الجمعية تهتم بمواهب ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تبلغ أعمارهم بين 16 إلى 30 عاماً، وهم يحبون فن الإيتامين والرسم والأشغال اليدوية وصناعة المأكولات، وأنهم يشاركون في المعارض والمهرجانات داخل وخارج الجمعية.
النهوض من الرماد
ومن المشاركات الفنانة هوري صلاحيان التي تهتم بتقديم إكسسوارات جديدة من مواد مختلفة كالفضة والخرز والحجارة الملونة، وكذلك الفنانة أسماء محبك وهي تنتج من الفسيفساء لوحات تطبيقية وأدوات للاستعمال المنزلي، أو للزينة مثل لوحة أصابع البيانو، كذلك، هوري كوكشريان المهتمة بتقديم الأعمال اليدوية بفنية “القلب الأبيض” من مفارش وضيافات وأشغال.
وحول هذه الفعاليات الخاصة بفنيات السيدات، أجابني زائر المهرجان شكري قيومجي رئيس “جمعية مؤسسة شيف سورية”: “هذه الفعاليات مميزة ومؤثرة، لكونها تشجع المرأة السورية على المزيد من الابتكار، علماً أن المرأة الحلبية والسورية، نقضت غبار الحرب وعادت مثل طائر الفينيق وأثبتت أنها قوية وقادرة على إدارة العائلة والمجتمع بطريقة الاكتفاء الذاتي والنهوض المستمر.