ثقافة تغيير المدربين أثبتت فشلها وإدارات الأندية تتحمل مسؤولية الاضطراب الفني
ناصر النجار
مازالت قضية تغيير المدربين في كرتنا بلا مبررات مقنعة، ولم تأت بالمفيد، فأغلب تغييرات المدربين التي جرت في الدوري الممتاز لم تحسِّن من واقعٍ مُتردٍّ تعيشه كرتنا المكلومة، ولم يقتصر التغيير على مدربي الفرق المهددة بالهبوط، بل شهدنا مطلع الدوري تغيير مدربي الفتوة وجبلة والوثبة أيضاً، فماذا كانت النتائج؟
النتائج معروفة ولم نجد أي فريق بدل مدربه حقق ما يريد من التغيير، والمسألة أكبر من عملية تغيير مدرب، لأن العملية الكروية هي فكر متكامل إضافة لوسائل مساعدة وظروف مناسبة، هذه العوامل هي التي تساعد كرة القدم على التطوير، والنقطة الأهم والأولى تبدأ من الاستقرار الفني، لذلك نجد أن المدربين الناجحين هم الذين يعمرون في أنديتهم لفترة طويلة.
عندما يُعطى المدربُ الفرصةَ الكاملة من الوقت والمباريات فلا بد أن يثبت وجوده ويؤسس فكره، والأهم تحقيق التناغم بينه وبين اللاعبين إضافة لتحقيق الانسجام في الفريق، ولم نجد أي ناد في العالم يغير مدربه عند أول خسارة، هذا نراه في الدوري عندنا ونراه أيضاً في دوري البلدان النامية في كرة القدم والتي لا تستند على الثقافة العلمية الكروية الاحترافية، ولنا في الدوري الكروي مثالين، المثال الأول: نادي حطين حيث تم اختيار المدرب أنس مخلوف وسار مع الفريق، وعند أول خسارة طار المدرب، حطين كان منافساً للفتوة وبين فرق الصدارة، لكن التغيير لم يعط ثماره الإيجابية مع الفريق والدليل أن الفريق تعادل بعد ذهاب المخلوف مع الحرية وكانت هذه أول نقطة ينالها الحرية في الدوري، مع العلم أن كل الفرق فازت على الحرية في حلب وخارجها، فخسر الفريق نقطتين مهمتين، ثم في المباراة الحاسمة والفاصلة مع الفتوة باللاذقية وأمام جمهور كبير خسر حطين رهانه وجرى ما جرى في المباراة وبعدها، لنخرج بنتيجة مفادها أن التغيير في حطين لم يهب الفريق بطولة الدوري بل أبعده عنها.
ومن المفترض كان الصبر على المدرب السابق وتأمين كل وسائل النجاح له، فالمهم في كرة القدم هو وجود ثوابت وركائز يُبنى عليها، ومن لم يستطع تحقيق الدوري هذا الموسم قادر على ذلك بعد موسم أو موسمين إن استمر بالعمل الصحيح وإن حاز على الاستقرار وإن تحلى بالثقافة والفكر الكروي المطلوبين.
لكن الغريب يأتي من السؤال الآتي: على أي أساس تم اختيار المدرب أنس مخلوف؟ وهل كان اختيار الإدارة خاطئاً؟
بالمحصلة العامة يجب أن تتحمّل الإدارة مسؤولية خيارها وتمنح المدرب الدعم الكامل وعليها أن تدافع عن خيارها، لا أن ترفع يدها عنه في أول مشكلة وعند أول خسارة، ودوماً تقتنع إدارة النادي بأن تغيير المدرب أسهل شيء ممكن أن تقوم به، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مشاكل كرة القدم قد تكون الإدارات هي سببها وليس المدرب.
المثال الثاني في نادي الفتوة وهو عبارة عن فوضى فنية أثارها سلبية جداً في المستقبل، نجح الفتوة في استقطاب أفضل لاعبي الدوري المحلي وهم يشكلون خيرة لاعبي الكرة السورية محلياً، وكان لوجود المال الوفير العنصر الأهم في تحقيق بطولة الدوري في الموسم الماضي وربما الموسم الحالي، وسخرت إدارة النادي المال من أجل نيل اللقب بأشكال مختلفة، لكن لم تكن قادرة على بناء فلسفة كروية بثقافة علمية تضمن استمرار توهج الفريق لمواسم قادمة، لأن فريق الفتوة بني على المال فقط، فإذا ذهب المال ذهب معه النادي وسيعود كما كان يصارع الهبوط أو أن يكون ضمن عداد فرق الدرجة الأولى.
نتكلم عن العمل الفني وهو الأهم في مسيرة أي ناد، في الموسم الماضي بدأ فريق الفتوة الدوري مع المدرب ضرار رداوي، وتم تغييره إلى المدرب عمار الشمالي، وسبب التغيير أن الجمهور لم يكن راض عن الرداوي لأسباب لا علاقة لها بكرة القدم، وكانت دوماً تطالبه بالفوز، وجمهور الفتوة لا يقبل بأي نتيجة غير الفوز، وانتهى الموسم وفاز الفتوة بالدوري وكانت مكافاة المدرب الشمالي أن تمت إقالته، لتتعاقد الإدارة مع المدرب محمد عقيل الذي أسس الفريق الحالي وأشرف على التعاقدات الجديدة وصرف من صرف من اللاعبين، لكن الجمهور لم يقبل به مدرباً، وكانت صيحات الجمهور دائماً تطالب بإقالته حتى تحقق لها ذلك، فتم التعاقد مع أيمن الحكيم، الحكيم هو من أوصل الفريق إلى القمة وخرج من الذهاب متصدراً ولم يخسر أياً من مبارياته، ومع أول مباراة في الإياب خسرها وكانت أمام الكرامة جاء قرار الإدارة إقالة الحكيم بأسلوب غير حضاري والعودة إلى عمار الشمالي مرة أخرى، والسؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: لماذا تم التعاقد مع الشمالي وقد أبعدته الإدارة نهاية الموسم الماضي، فهل الخطأ كان من الإدارة أم إن الشمالي قبل الآن بما لم يقبله في السابق؟
في الحالتين فإن الجماهير لامت المدرب عمار الشمالي لأنه في المرة الأولى غادر الوحدة بلا استئذان، وفعل الشيء نفسه في المرة الثانية مع جبلة، وفي الحالتين كان المبرر هو المال!
فإذا كانت هذه هي ثقافة المتصدر ووصيفه فكيف الحال عند بقية الفرق؟
جبلة كان ثابتاً على ابن ناديه عمار الشمالي، لكنه غادر والأسباب بعلم الغيب وأهل الدار أعلم بها، والبديل المدرب الجزائري صابر بن جبرية والنتائج على ما هي عليه دون تغيير.
فريق أهلي حلب جاء أحمد هواش بدلاً من معن الراشد، ولا يمكننا أن نقول هنا أن التغيير مهم أو له تأثير لأن الهواش كان مدير الفريق وعمل إلى جانب الراشد.
فريق الوثبة عاش أياماً سعيدة مع المدرب مصعب محمد وحقق نتائج أكثر من جيدة وغير متوقعة، لكنه خسر بعد عدة انتصارات فتم تغييره إلى ماهر دالاتي الذي لم يصمد إلا مباراتين فجاء رامي جبلاوي ليكون ثالث المدربين، بعد خمسة عشر أسبوعاً من الدوري نال مصعب محمد 12 نقطة وماهر دالاتي أربع نقاط ورامي جبلاوي نقطتين، فهل كان تغيير مصعب محمد بمكانه الصحيح، مع العلم أن الفريق لم يحقق في الإياب أي فوز!
فريق الوحدة بدأ استعداده مع المدرب أحمد عزام وكان مدرب الفريق في إياب الموسم الماضي، ثم تعاقدت الإدارة في الدوري مع المدرب حسام السيد الذي استقال ليكون خيار الإدارة بالمدرب محمد اسطنبلي، الفريق مع السيد نال سبع نقاط ومع اسطنبلي نال سبع نقاط، والتغيير لم يرفع من شأن الفريق لأن أسباب تراجع كرة الوحدة سوء العمل الإداري.
الطليعة بدأ مع فراس قاشوش، ثم علي بركات ثم عاد للقاشوش، وهنا مسألة إقالة مدرب أو استقالته ثم العودة إليه ترسم العديد من إشارات الاستفهام؟ فكيف يخرج المدرب من الباب الضيق ثم يعود إليه من الباب العريض، وهذا مبهم ولا نجد له تفسيراً، والمشكلة ليست في الطليعة وحده، فها هو الساحل يستعيد مدربه محمد شديد بعد أن غادر الفريق في الذهاب.
الحرية والساحل كما ذكرنا بدلا أربعة مدربين، وكل هذه التبديلات لم ترفع الفريقين من المركزين الأخيرين، في المحصلة العامة فإن تغيير المدربين لم يصلح حال الفرق ولم يؤد المطلوب منه، لذلك نجد دائماً أن العلة بسوء الإدارة وغياب التخطيط الكروي، والمشكلة الحقيقية تكمن في إدارات الأندية التي لا تعرف كيف تدار كرة القدم.