ثقافةصحيفة البعث

“عن الطبيعة”.. الشاعرة التشيلية ميسترال تتكلم باللغة الآرامية

أمينة عباس

في أول بادرة للتبادل بينها احتفت السّفارة التشيليّة ودار “دلمون الجديدة”، مؤخراً، بإصدار كتاب “عن الطبيعة” وهو مختارات من شعر الشاعرة التشيلية “غابرييلا ميسترال”، من إعداد وتقديم القائم بأعمال السفارة في سورية “خوسيه باتريسيو بريكلي” الفيلسوف والدبلوماسي ورجل الثقافة الإنسانية كما يُطلَق عليه والذي خصّص معظم كلمته التي ألقاها في حفل توقيع الكتاب الذي أقيم في مكتبة الأسد الوطنية للحديث عن المترجم جورج زعرور الذي ترجم قصائد الكتاب إلى اللغة الآرامية كشاعر ومثقف وحارس للآرامية وآخر خبراء اللغة الآرامية وموثقيها في سورية: “يعمل بصمت على حماية هذه اللغة والحفاظ عليها حية، سواء عندما يكتب الشعر أم يترجم النصوص من الآرامية إلى اللغات الحديثة”، وأسعده أن زعرور في هذا الكتاب جعل “ميسترال” تتكلم باللغة الآرامية وأوصل أفكارها بميزات هذه اللغة المختلفة عن أي لغة أخرى، معلناً عن أن السفارة بالتعاون مع الدار ستهدي نسخة من هذا الكتاب إلى كل عائلة تتكلم اللغة الآرامية في سورية، وذلك إغناءً لمكتباتهم.

وفي المقابل، أوضحت عفراء هدبا مديرة دار “دلمون الجديدة” أن ما بين سورية وتشيلي يتجاوز المسافات الشّاسعة ويختصر عوائق اللّغة وفرادة الثقافة التي تميّز كلّاً من البلدين، وأنه كلّما أوغلنا عمقاً في مفهوم الهويّة والشخصيّة استطعنا أن نتلمّس الكثير من المشتركات النابعة من خصوصيّة المكان وجوهر الإنسان، وأن التّماهي مع الطبيعة والغوص في مفرداتها وفكّ رموزها لا بدّ أن يقود إلى أسمى أشكال المعرفة وأرقى أدواتها، ولا شيء برأيها يضاهي الكلمة المنطوقة جرساً ومعنى، وهو ما يطالعنا به كتاب “عن الطبيعة” الذي قدّمت له في الحفل الإعلامية هدباء العلي بالإشارة إلى أنه “بوح نفسي وفيض وجداني ذاتي يتماهى والطبيعة البكر قبل أن تعبث بها يد الإنسان وتشكّلها كما يريد هو لا كما هي تريد، محاولة “ميسترال” في كتابها أن تعيد قوانين الحياة إلى الطّبيعة الأم بدفق عاطفي حفر مجراه بمخيلة شعريّة تجاوزت كلّ المعايير التقليديّة في النظم مبنى ومعنى”.

الآراميّة ما تزال حيّة

وبيّن المترجم جورج زعرور في كلمته وتصريحه لـ”البعث” أن أكثر ما استوقفه في أشعار “ميسترال” التي اختارها “بريكلي” هو انحيازها إلى الفقراء ومعاناتهم وهمّها الوطني وتمسّكها بجذورها والمحبة التي زرعتها في قلب المعنى والقصيدة والإحساس المسبق بحدوث بعض الأمور، وهي روابط مشتركة بينه وبينها، مشيراً إلى أهمية ترجمة الكتاب إلى اللغة الآرامية التي انتشرت بقوة ذاتها بعكس اللغات الأخرى التي انتشرت بقوة امبراطوريّتها، والتي تكمن أهميتها في بعدها الروحي، فالسيد المسيح قد تكلّم بها، وأصبحت لغة مقدَّسَة ولغة الطقوس الكنسيّة، ورأى أن ترجمته لهذا الكتاب إلى اللّغة الآراميّة هو للربط بين الأصالة والمعاصرة في بناء لبنات من طين الأرض الإنسانيّة، وليثبت للعالم أن الآراميّة ما تزال حيّة تنبض في معلولا، وهي من مصاف اللغات الأخرى أدباً وشعراً، متمنياً أن تدرَّس في مدارس معلولا الرسمية منذ مراحل الدراسة الأولى، فالصغار هم الأقدر على تعلّمها بشكل حقيقي ثم نقلها للأجيال التالية للحفاظ عليها من الاندثار، منوهاً بأن مشروعه القادم ترجمة ديوان “نشيد الأناشيد” لـ”بابلو نيرودا”.

جائزة نوبل في الأدب

يُذكر أن كتاب “عن الطبيعة” ضمّ ترجمة عربية أيضاً من خلال نادية شعبان، وأن “غابرييلا ميسترال” واحدةٌ من الشّخصيات الرئيسية في الأدب التشيليّ والقاريّ، ولدت عام 1889 في تشيلي، وتوفيت عام 1957، وتعدّ أول امرأةٍ لاتينية حائزة على جائزة “نوبل” في الأدب عام 1945 تقديراً لأعمالها الشعرية الملهمة بتعبيراتها القوية الموصوفة بعمقها الميتافيزيقي عن الطفولة والحزن والإنسانية التي حوّلتْ اسمها إلى رمزٍ يمثلُ التّطلعات المثالية لشعوب أميركا اللاتينية، وتخليداً لذكراها خصّصت جوائز عديدة باسمها.