مروان أبو جهجاه: “العذراء والموت” ملحمة بتناقضاتها كلّها
ملده شويكاني
“يمكنكم سماع صوت الشتاء القاسي في عملي هذا، مع أنكم ترون أزهار الربيع في الخارج”، هذا ما قاله “فرانز شوبيرت” عن عمله “العذراء والموت” الذي وصف بالتجريد الموسيقي، لأنه لم يكن يختزل المحاورة القاسية بين الفتاة الشابة وشبح الموت فقط، إنما كان يرثي نفسه بعد أن عرف أنه مصاب بمرض الزهري والموت يلاحقه، وهذا ما بدا واضحاً بالوقفات الحادة والتمازج اللحني بين صوت التشيللو القوي ورقة الكمان.
تألف العمل من أربع حركات بعد أن أدخل عليه “شوبيرت” مقطعاً من قصيدة تحمل الاسم ذاته للشاعر الألماني “ماتياس كلاوديوس”، بنى على كلماتها الحركة الثانية من عمل الرباعي الوتري، وسُمّي العمل بالاسم ذاته.
الإحساس المؤلم الذي أوصله “شوبيرت” من خلال موسيقاه كان موضع اهتمام الرسامين والسينمائيين والكتّاب، منهم المخرج البولندي “رومان بولانسكي” الذي وظّف هذه الموسيقا في فيلمه الذي حمل الاسم ذاته “العذراء والموت” عام 1994، كذلك استلهمت الرسامة النمساوية “ماريان ستوكس” لوحتها من هذا العمل فصوّرت الفتاة الشابة الخائفة من الموت القادم. وقد ارتأت فرقة “آمارا” للرباعي الوتري التي أسّسها عازف الفيولا مروان أبو جهجاه مع رزان قصار ـ كمان أول- وعامر داكشلي ـ كمان- وماريا شاهين- تشيللو- عزف العمل الكامل لـ”شوبيرت” الرباعي الوتري ـ رقم 14- سلم ري مينور “العذراء والموت” في أمسية خاصة في دار الأوبرا.
فيلم تمهيدي
وسُبقت بفيلم توثيقي بصوت المايسترو أندريه معلولي المدير العام لدار الأوبرا، سرد فيه مراحل حياة “شوبيرت” القصيرة الغنية بالتأليف الموسيقي والتنويعات التي قدمها للبشرية، إذ ولد في فييناعام 1797 وتوفي في عام 1828، وخلال حياته القصيرة ألّف أكثر من ألف مقطوعة موسيقية، منها السمفونية والغنائية الشعرية والسوناتا وموسيقا الحجرة، ويعدّ من آخر موسيقيي الفترة الكلاسيكية ومن أوائل مؤلفي الموسيقا الرومانسية. كما نوّه بانطلاقة فرقة الرباعي “آمارا” في العام الماضي، وتطرق إلى عمل العذراء والموت بتمهيد له بالحوار الافتراضي بين الفتاة الشابة والموت.
تضمن الفيلم أيضاً مقتطفات من النوتة الموسيقية للعمل ومقاطع لعزفه.
حوار درامي
ومن ثم بدأ الرباعي بعزف الحركة الأولى “حركة سريعة” بالتوزيع اللحني على الرباعي تخللتها حوارية بين الألحان الهادئة والرخيمة القوية للتشيللو تعبيراً عن الحالة الدرامية بتغييرات لحنية وبدايات مع الفيولا –مروان أبو جهجاه– كما أخذ الكمان الأول -رزان قصار- دوره بالعزف للحن الأساسي وبالفاصل والمرافقة، ثم “حركة معتدلة” ثم حركة مرحة، ثم حركة سريعة جداً.
استغرق عزف العمل مدة خمسين دقيقة تخللتها تقنيات التكثيف الموسيقي في مواضع والنقر على الوتر وعلى الخشب لآلة التشيللو بصوتها الرخيم القوي الذي يمثل الموت، إضافة إلى مساحات حزينة بين الفيولا والكمان.
التلون الموسيقي
وعلى هامش الأمسية، قال مروان أبو جهجاه لـ”البعث”: “الأعمال التي قدّمها الرباعي في انطلاقه في العرض الأول كانت قوية، وأردنا في العرض الثاني أن نتعمّق أكثر بالدخول لمرحلة أصعب، فاخترنا عملاً كاملاً من مؤلفات شوبيرت، وفي الوقت ذاته كان اختباراً للجمهور المعتاد على أعمال عدة، وقد أنصت بشغف فنجحنا بهذا الاختيار، في النهاية العذراء والموت حكاية من أربعة فصول، ملحمة الصراع بين الحياة والموت بكل تجاذباتها وبكل التناقضات من حزن وفرح.
أبعاد الصوت البشري
وتابع: “يعدّ شوبيرت من أمهر الموسيقيين بالتوزيع الموسيقي، فدارت الألحان بين الآلات الأربع، لكن دور البطولة كان للكمان، وكل الآلات كان لها دور بالألحان المنفردة والمرافقة ما يعطي حالة من التلون، إذ أخذ التشيللو الرخيم دور الباص أي الرجل، والفيولا دور الآلتو النسائي الرخيم، في حين أخذ الكمان أول والكمان دور النسائي السوبرانو، فالعمل يغطي كل أبعاد الصوت البشري”.