دراساتصحيفة البعث

الفخ الأمريكي مدعاة للقلق!

هناء شروف

تشعر بلدان منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالقلق من الوقوع في فخّ سياسات الكتلة من الولايات المتحدة. وتعتزم إدارة جو بايدن استعادة القيادة الأمريكية في منطقة “المحيط الهادئ الهندي” من خلال إعادة تنشيط شبكة التحالفات والشراكات الأمريكية في المنطقة، ومن ثم تشجّع حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها على تعزيز العلاقات بشكل شامل مع الولايات المتحدة ومغازلة حلفائها خارج المنطقة للانخراط في شؤون “الهند والمحيط الهادئ”. ومن خلال القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والأيديولوجية المتشابكة بعمق تسعى الولايات المتحدة جاهدة إلى إنشاء كتلة وبيئة شاملة لعزل الصين وقمعها.

ومع ذلك، فإن الوضع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يختلف تماماً عما كان عليه خلال التنافس في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ومن غير الممكن أن تسلك منطقة آسيا والمحيط الهادئ المسار القديم للحرب الباردة.

إن ما يسمّى التحالف القائم على القيمة الذي شدّدت عليه إدارة بايدن والذي يحاول تجميع التبادلات الاقتصادية والسياسية بين الدول ذات الأيديولوجية، لا يلقى ترحيباً حاراً من حلفاء الولايات المتحدة.

وفي تناقض حاد مع الأنانية الضيقة الأفق لدى الولايات المتحدة، كانت الصين تتمسّك دائماً بمبدأ السعي إلى تحقيق المصلحة العظمى والمصالح المشتركة في دبلوماسيتها الخارجية التي تحظى بإشادة واسعة النطاق من الأغلبية العظمى من البلدان.

تحاول الولايات المتحدة إنشاء بيئة كتلة قائمة على السياسة في منطقة “المحيط الهادئ الهندي” من خلال تحويل الأولويات الإقليمية من التنمية المفتوحة الشاملة والحكم الإقليمي إلى القضايا الأمنية والأيديولوجية. وفي المجالات العسكرية والسياسية كانت الولايات المتحدة تعمل على عزل وقمع الصين وإجبار الدول الأخرى على الانحياز إلى أحد الجانبين.

في المجال الاقتصادي تعمل الولايات المتحدة على بناء آليات متعدّدة الأطراف مناهضة للصين على طراز النادي تحت ذريعة “المخاوف الأمنية”. وفيما يتعلق بالأيديولوجية تسعى الولايات المتحدة إلى بناء ما يسمّى تحالف القيمة لاحتواء الصين في محاولة للحدّ من التنمية في الصين.

في ظل استراتيجية “العصا والجزرة” التي تنتهجها الولايات المتحدة فإن حلفاءها في منطقة “المحيط الهادئ الهندي” والدول الإقليمية الكبرى التي لديها منافسة استراتيجية مع الصين يظهرون ميلاً إلى الانحياز إلى أحد الجانبين، ولكن أغلب دول آسيا والمحيط الهادئ تسعى جاهدة إلى الحفاظ على الاستقلال الاستراتيجي الذي يشكّل الأساس الذي تستطيع الصين من خلاله بناء بيئة محيطة مفيدة لتنميتها  لكي تتمكن منطقة آسيا والمحيط الهادئ من الحفاظ على نظام إقليمي يقوم على السلام والاستقرار.

بادئ ذي بدء، اختارت أغلب دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ البقاء على عدم الانحياز وسط المنافسة بين الصين والولايات المتحدة بدلاً من الانحياز إلى أحد الجانبين.

وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، اختار أغلب أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا عدم اتباع خُطا الولايات المتحدة في احتواء الصين. معظم أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لا يبالون باستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويخشون أن يتطوّر الحوار الأمني الرباعي بين الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا (الرباعية) إلى حلف متعدّد الأطراف مناهض للصين.

ورغم أن المجتمع الغربي يشعر بالقلق من أن صعود الصين سوف يؤدّي إلى كسر النظام الدولي الحالي، فإن العديد من الناس لديهم نيّات حسنة تجاه الصين وآمال كبيرة فيها ويرغبون في الحصول على عالم أكثر تنوّعاً وتوازناً. تركّز معظم الدول المجاورة للصين على دور الصين في سلاسل التوريد الإقليمية في حقبة ما بعد الوباء، ما أدّى إلى استعدادها الكبير لتعزيز التعاون الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

في مواجهة جائحة كوفيد-19، أظهرت الصين مسؤوليتها كدولة كبرى في حوكمة الصحة العالمية، في حين أظهر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الضعف والإرهاق وسط الكارثة الإنسانية المشتركة بسبب أنموذج الحكم القائم على الأنانية والرأسمالية.

كان افتقار الولايات المتحدة إلى الزعامة العالمية في مجال الحكم العالمي واختلال أداء الاتحاد الأوروبي في مواجهة المعضلات الجماعية، سبباً في جعل المزيد والمزيد من الدول متشككة فيما يسمّى القيم العالمية التي تتبناها الدول الغربية ومسار التنمية والنظام الدولي الذي تهيمن عليه.

وإذا كان لدى الصين وهذه البلدان أرضية مشتركة أكبر في نماذج التنمية، وإذا قدّمت الصين المزيد من المنافع العامة للحوكمة الإقليمية والعالمية وخاصة لمنطقة جوارها، فسوف يكون لدى الدول غير الغربية قدر أكبر من الثقة في الرخاء والاستقرار الذي تجلبه الحلول الصينية للحوكمة العالمية.