المجتمع المتعاون على البِرّ والمحبّة
غالية خوجة
ماذا لو كنت ماشياً في شارع ما، شارداً بكثير من الأمور، مفكّراً في العديد من الظروف والذكريات والهموم والآمال، متأملاً السماء وما حولها من إشارات؟!
وفجأة، “يا غافل لك الله”، يقف أمامك شخص ويطلب منك أن تشهد بأن المولود ابنه أو ابنته؟! تستغرب، وتسأله: من أنت؟ هل أعرفك؟ وهل تعرفني؟ وكيف أشهد على واقعة لم أرها؟ ولست طرفاً فيها؟ ومن يضمن لي بأن المولود ابنك؟ وليس وراءه ووراءك جريمة ما؟ ولو كنت صادقاً في ما تقول، فلم لم يشهد أحد من أهلك؟ أو أهل زوجتك؟!
يجيبك: إنه طفلي، ولدي أوراق ثبوتية من المشفى.
فتسأله: ولم لم تحضر شاهداً من المشفى على الأقل؟ وأين أوراقك الثبوتية؟
فيرد: عند المختار؟
فتسأل باستغراب أكثر: أي مختار؟
فإذا به يجيبك: هنا.
تنظر لترى أنك أمام غرفة كُتب عليها مختار الحي الفلاني، فتدخل، تلقي التحية، وتسأل عمّا يحدث، وتحكي له كيف استوقفك هذا الإنسان لتشهد “زوراً” على أن المولود ابنه وهو والده، لكنك تستغرب بلا حدود عندما تسمع المختار يجيبك: نحتاج لشاهد، لك أن تشهد، أو لا تشهد.
فتقول بغضب: كيف يتم ذلك؟ أليس في الموضوع شبهة أو شهادة زور؟!
فيكرر المختار ما قاله، وتتركه وتخرج وأنت غير مصدق ما يجري، لكنّ بعض الذين حدثتهم بما حدث، أخبروني بأن الموضوع عادي، لأنها مجرد شهادة على ولادة!
شهادة مزورة لمولود ما!! ترى، كيف ستكون حياة هذا المولود؟ وكيف ستربّيه بيئة بنَت حضوره الأول إلى هذه الحياة على شهادة إنسان مجهول لطرف مجهول؟!
هذا أحد النصوص العابرة في حياتنا لأحداث قد تبدو عادية، لكنها ليست عادية، لأنها تؤسس لكثير من المعاملات غير المنطقية والقانونية، وتشجّع على قبول ما ليس عادي ليصبح عادياً.
وهذا أحد المواقف والمواضيع التي لا تضيئها الغالبية، فتمرّ وكأنها ليست انزياحاً سلبياً اجتماعياً، بل تعتبر من أعمال الخير!
أيها المجتمع، رجاء، افتح وعيك قليلاً، وانتبه لوجودك المهم، لأنك تتشكّل من أفراد، وكل فرد هو محور أساس في البناء الذاتي والمجتمعي، أي أنه شريك فاعل، لا عابر، في هذه البنية الكبرى المؤدية إلى المستقبل، والزمن لا يرجع إلى الوراء، لكنّ أثرك المفيد والنافع يظل حاضراً مهما مرّ الزمان على رحيلك الجسدي، لأن أثرك هو الذي يساهم في صناعة المستقبل أيضاً.
الأخلاق والعقول تبني الأوطان، لأنها تبني ضمير الإنسان، أمّا الأموال فزائلة مثل شهادات الزور، فاحرص أن تشبه نفسك التي لا تتزحزح عن مبادئها الجميلة، الموقنة بفنائنا، والموقنة بآثارنا الجميلة الباقية.
أيها المجتمع، كن الورود المعطّرة بالخير المتجذّر بالضوء والحق، ولا تقبل أن يستغلّ أيٌّ كان طيبتك، وشفافيتك، لأن الطيبة والشفافية من دون وعي تتحول إلى جهل، ولهذا، أقترح أن تكون لمخاتير الأحياء مهمات اجتماعية تعارفية توعوية تثقيفية فعّالة وفاعلة، كلٌّ في حيّه، مثل أن يكون هناك اجتماع شهري لأهل الحي يناقشون فيه حياتهم ومتطلباتهم وطموحاتهم ومعاناتهم مع اقتراحهم للحلول الممكنة القائمة على تضافر جهودهم، وانشغالهم بتطوير حيّهم، والعمل كفريق واحد على الكثير من الأمور، منها تنظيف الحي معاً ولو أسبوعياً، ومساعدة بعضهم بعضاً في الأمور الحياتية اليومية، فهناك الوحيدون، والمرضى، وكبار السن، وهناك مبان بحاجة لترميم بعد الحرب والزلزال، فما ضرّ لو كان كل حي يهتم بأهاليه من بوابة فعل الخير والطيبة الموظفة في مكانها والتعاون على البِرّ والمحبة.