مع اختصار وتهميش حصة الرياضة.. هل تعيد التعاميم “الورقية” لياقة رياضتنا المدرسية؟
البعث – علي حسون
لم يعد يخفى على أحد ما سبّبه الترهل والتقصير تجاه إهمال أغلب المدارس لحصتي الرياضة والموسيقا، إذ شهدت بعض المدارس مظاهر للعنف من حالات ضرب وأذى بين الطلاب جراء غياب المتابعة من قبل المدرّسين للطلاب في الباحة، بعد أن أصبحت حصة الرياضة وقتاً للفراغ والتسلية، ولعلّ خير دليل الحادثة المؤسفة التي جرت في حلب المتمثلة بالاعتداء بالضرب المبرح على الطالبة “تسنيم” من قبل مجموعة طلاب ما تسبّب لها بعاهات صحية يتحمّل جزءاً من وزرها المعنيون في “التربية” من خلال تهميش حصة الرياضة والحجج الحاضرة والجاهزة من قبل المعنيين، كوجود نقص في الشواغر التدريسية أو الأدوات، فعندما يحضر المدرّس تغيب الأدوات والتجهيزات، وفي حال وجدت الأدوات غاب المدرّس!
رافد أساسي
وفي وقت يؤكد موجّهو التربية الرياضية أن الرياضة المدرسية رافد أساسي للمنتخبات الوطنية في كافة الألعاب، كما تعتبر أرضاً خصبة لتعزيز التربية المتوازنة وتكوين شخصية التلميذ وتفعيل التواصل الإيجابي مع تعزيز قيم التعاون، واحترام الآخر والمنافسة الشريفة، مشيرين إلى ما قدّمته الرياضة المدرسية في السنوات الماضية من مشاركات ومهرجانات رياضية، لم يخفِ مدرّسون للتربية الرياضية أن فاقد الشيء لا يعطيه، فالمدرّسون المختصون بحاجة إلى تأهيل وأبجديات الرياضة والتربية البدنية، خاصة وأن هناك مدرّسين للتربية الرياضة فقدوا لياقتهم، مستغربين وجود مدرّسين للتربية البدنية ليسوا رياضيين لا بالفكر ولا بالجسم!، متسائلين ما القيمة المضافة التي ستقدّمها مدرّسة رياضة زاد وزنها عن المعقول؟!
غياب المتابعة
وحمّل تربويون الموجّهين الاختصاصيين ومديري المدارس مسؤولية هذا الإهمال لعدم متابعتهم والتدقيق خلال جولاتهم الميدانية التي تقتصر على التصوير والضيافة ليس أكثر، لافتين إلى أن حالات العنف بين الطلاب سببها فرط النشاط والذي لا يمكن ضبطه إلا من خلال دروس الرياضة، وتطبيق المنهاج حسب التعليمات الوزارية، ولاسيما أن وزارة التربية عملت جاهدة على تطوير مناهج التربية الرياضية بالتوازي مع المناهج الأخرى، خاصة وأن المناهج المطورة تؤكد على بناء الروح الجماعية البنّاءة الداعمة للحدّ من السلوكيات والظواهر المنافية للأخلاق والقيم والمعايير المؤثرة بشكل سلبي على كلّ من العقل والجسم، وعلى التوازن النفسي والاندماج الاجتماعي، وفق رأي اختصاصيين نفسيين، لافتين إلى دراسات تؤكد أن التربية الرياضية إحدى مكونات التربية العامة، وتهدف إلى تقوية صحة الإنسان ونموه الجسدي السليم، وتسهم مع جوانب التربية الأخرى، عقلياً وبدنياً ونفسياً، في نمو الإنسان نمواً متكاملاً، وتربية السلوك الموازي لتربية الجسد عن طريق التمثل بصفات الأخلاق الإنسانية والانضباط ومشاعر الصداقة وقبول الخسارة والتعاون، وتشجع على التسامح والتفاهم وتبعث على السرور والترويح والتعبير عن الذات، ما يخفّف من مظاهر العنف لدى الطلبة وفرط النشاط.
ولم يقتصر إهمال حصة الرياضة أو الموسيقا على ما ذُكر من فرط النشاط ومظاهر العنف، بل تعدى الأمر إلى تحكم بعض إدارات المدارس بدرجات الطلاب ومزاجية تحديد المتفوقين وفق مصالح شخصية من خلال وضع درجات قليلة في مادتي الرياضة والموسيقا لطلاب على حساب آخرين!
إجراءات تربوية
مديرة الإشراف التربوي في وزارة التربية ايناس مية تحدثت عن إجراءات اتخذتها وزارة التربية لضمان تدريس مادتي الرياضة والموسيقا من خلال التأكيد على ملء شواغر التدريس من المدرّسين والمدرسات للتربية الرياضية والتربية الموسيقية من داخل الملاك عبر مسابقة العقود التي جرت مؤخراً، إضافة إلى تكليف مدرّسين ومدرّسات من خارج الملاك وذلك لسدّ النقص في بعض المناطق التعليمية.
وشدّدت مية على ضرورة التقيّد بتعميم “التربية” بإعطاء حصص مواد التربية الرياضية والموسيقية والفنية من قبل مدرّسي هذه المواد وعدم إشغالها من قبل اختصاصات أخرى، مع آلية واضحة لوضع درجات الأعمال بحسب مستوى الطلاب وتفاعلهم الإيجابي أثناء الحصص، والمذاكرات والامتحانات بحسب أوراق إجاباتهم، مؤكدة على محاسبة مديري المدارس الذين يجبرون مدرّسي الاختصاص على وضع العلامة التامة.
وتطرقت مية في حديثها إلى خطة مديرية الإشراف التربوي في هذا الصدد بالمتابعة الميدانية ودراسة التغذية الراجعة من الميدان ومتطلباته واحتياجاته، بما يضمن حسن سير العملية التعليمية. ولم تغفل مية بأن مادتي التربية الرياضية والتربية الموسيقية من أهم أسس التربية، إذ إنهما تنميان مختلف الجوانب العقلية والجسدية والانفعالية والمهارية، وتطبيق هذه المواد بالشكل الأمثل يعوّد الطلاب والتلاميذ على التعاون والتعبير عن الذات، ما يخفّف من مظاهر العنف لديهم.
من المسؤول..؟!
ومع ما ذُكر من خطط وإنجازات وتعاميم ورقية للتربية والتعيينات وسدّ الشواغر، يبقى السؤال: لماذا نسمع بوجود نقص في عدد مدرّسي التربية الرياضية في المدارس؟ ومن المسؤول عن هذا التقصير؟ علماً أن وزارة التربية أعدّت المسابقات وفق احتياجات المديريات، ليترك هذا الأمر أكثر من إشارة استفهام حول عمل مديريات التربية التي تعاني مدارسها نقصاً في عدد المدرّسين وغياب التصور الصحيح لاحتياجات المدارس، وهنا يؤكد خبراء عاملون في الميدان الرياضي أن تجاوز كل الصعوبات يتجسّد في وضع استراتيجية وطنية ترسم تصوراً شاملاً من أجل تأهيل الرياضة المدرسية، مع رصد اعتمادات خاصة بتجهيز أو تأهيل الملاعب المدرسية والتجهيزات والمستلزمات للحصص الرياضية، إضافة إلى اعتبار مادة التربية الرياضية أساسية في التحصيل الدراسي ومجموع الدرجات.