ثقافةصحيفة البعث

حازم الصّوّاف: التّكنولوجيا أثّرت على ثقافة الفرجة لكن يبقى الأمل بالمسرح

نجوى صليبه
رحلة مهمّة بدأها الكاتب والمخرج المصريّ حازم الصّوّاف، على جميع الصّعد عموماً، والمسرحيّ منها خصوصاً، وهي رحلة بدأها منذ عام 1989، إذ شارك بمسابقات المسرح المدرسيّ وقصور الثّقافة، ومنذ مطلع عام 2000 وحتّى عام 2011 شارك كممثل ومخرج مسرحيّ في عروض وورشات وتجارب مسرحية عديدة مع أساتذة متخصصين في التّمثيل والإخراج المسرحيّ منهم خالد حسونة وهاني مطاوع وجلال الشّرقاوي وسامي عبد الحليم، ومنذ عام 2012 وحتّى 2019 شارك كممثّل ومدرّب تمثيل في عدد من الفرق المسرحية المستقلة منها “فرقة شمس النّهار”, و”فرقة اتّحاد الفنّ”, و”فرقة هنمثل”، بالإضافة إلى مشاريع تخرّج ودراسات عليا بالمعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للسّينما في مصر.
كما شارك الصّوّاف في عروض مسرحية عديدة في المسرح المستقلّ وقصور الثّقافة والمسرح الجامعي والمعهد العالي للفنون المسرحية، منها “شمس النّهار” و”إنت حرّ” و”يوليوس قيصر” و”ميراث الرّيح” وغيرها الكثير، إلى أن أسس فرقة “ستوديو أوديشن” لتدريب الممثّلين الجدد على أساسيات وقواعد فنّ التّمثيل من خلال ورشات إعداد الممثّل وورشات الارتجال والحكي، وهو صاحب مشروع “ارتجالات وحكايات” الذي ينتج عن الـ”ستوديو” مجموعة من عروض الحكي والارتجال التي تعتمد على قدرات ومواهب المتدربين في الـ”ستوديو”، فكان “حكايات تاء مربوطة” آخر نتاجات هذه الفرقة، وبسؤاله عن اختياره لهذا العنوان دون غيره، ولاسيّما أنّه عرض يناصر المرأة وقضاياه، يجيب الصّوّاف: “الرّبط هنا بين تاء التّأنيث التي ترمي إلى الأنثى مع العلاقة الخاصّة بكلمة مربوطة كقيد أو حبل يربطها ويقيّدها من خلال تسلّط الرّجل في المجتمع الشّرقي خصوصاً ومن خلال الظّروف المحيطة بالمرأة، ولاسيّما في مجتمعاتنا العربية، فالمرأة لدينا مظلومة بأمور كثيرة، ومقيّدة بأمور أكثر، والعرض عبارة عن حكايات منفصلة متّصلة، وكلّ حكاية تناقش قضيةً معينةً من قضايا المرأة في المجتمع، وقررت كتابة هذا النّصّ منذ سنة ونصف السّنة تقريباً، وكان الدّافع الأساس هو ظهور برامج على الفضائيات ووسائل التّواصل الاجتماعي تتبنى قضايا المرأة، لكن بشكلٍ يخلق عداوة بينها وبين الرّجل، فقد كانت تعتمد هذه البرامج على إثارة الجدل من أجل الـ”تريند” وزيادة المشاهدات والنّجومية والشّهرة، ولم أكن أشعر بأن هدفها نبيل أو يخدم قضايا المرأة الحقيقية، فقررت قول إنّنا كرجال نستطيع استيعاب قضايا المرأة ومناقشتها بموضوعية وحيادية وإعطاءها حقّها والتّكلّم عن احتياجاتها، فكتبت مجموعة حكايات نتابعها في برنامج يقدّمه إعلامي عبر وسائل التّواصل الاجتماعي اسمه “تاء مربوطة”، وهو عبارة عن اتّصالات هاتفيّة يجريها المتابعون، وكلّ أنثى تتكلّم عن مشكلتها، وعليه فقد ناقشنا مشكلات تأخّر سنّ الزّواج، والخيانة الزّوجية وتأثير وسائل التّواصل الاجتماعي على شكل ونوع الخيانات، والحرمان من الميراث والنّخوة والخوف على بنات النّاس، ولاسيّما أنّنا في مصر شهدنا جرائم قتل ارتكبها شباب رفضت فتيات الارتباط بهم، مضيفاً: “وتتنقل الحوارات بين التّراجيدي والكوميدي، فقد حاولت التّقليل من الدّراما القاتمة، وأدخلت مشاهداً كوميدية تعبّر عن هذه الحكايات بشكلٍ لطيفٍ ويخفف على المتفرّج من المشاهد بكائية، وعرضنا 23 ليلة على مدار السّنة والنّصف الأخيرة، وكان الجمهور يتفاعل مع الحكايات لواقعيتها ولأنّه كان يرى نفسه فيها”.
إذاً الدّراما الواقعية هي المنهج الذي يلتزم به الصّوّاف في عمله ليس في المسرح فحسب، بل في السّينما أيضاً، يقول: “حتّى على مستوى السّينما أنا كمشاهد أميل إلى الأفلام الواقعية كما كان يقدمها المخرج الرّاحل صلاح أبو سيف وعاطف الطّيب، وهذه النّوعية هي التي تشدّني، وأكتب من هذه الرّوح ذاتها، بحيث يرى المتفرّج نفسه، ما يسهّل إيصال الرّسالة من المشهد أو العرض من دون المباشرة”.
وبسؤاله عمّا إذا كان المسرح ما يزال قادراً على استيعاب قضايا المرأة خصوصاً وقضايانا العربية عموماً سواء السّياسية أم الوطنية أم الاجتماعية، يجيب الصّوّاف: “المسرح قادر، وما يزال قادراً وسيظلّ قادراً على مناقشة أيّ نوع من هذه القضايا، وعندما يقدّم الفنّان تجربةً ما يجب أن يكون مهموماً حقيقياً بالفكرة التي يناقشها، ويقدّم نصّاً يلامس الوجع بالتّأكيد سيتفاعل الجمهور معه، وهذا يظهر عندنا في مصر، في عروض كثيرة يقدّمها شباب وفرق مستقلّة ومسرح الدّولة ومسرح الثقافة الجماهيرية، والجمهور المصريّ والعربيّ عموماً ذوّاق، فنحن شعوب تربّت على الشّعر والمسرح والفنّ والسّينما، ولدينا ثقافة الفرجة، وربّما الطّفرة التّكنولوجية خلال السّنوات العشر الأخيرة أثّرت على ثقافة الفرجة ونزول الجمهور إلى المسرح والسّينما، لكن مع ذلك ما يزال المسرح قادراً على جذب الجمهور في عزّ هذه الطّفرة، ونحن نحاول استغلال وسائل التّواصل الاجتماعي في الدّعاية لعروضنا وجذب الجمهور، وبالجهد والتّعب نحصل على ما نريد، والعروض مع الوقت تكسب جمهوراً جيّداً”.
يعوّل مسرحيّون شباب على حضور ممثّلي الدّرجة الأوّل ـ أو كما يقال الصّفّ الأوّل ـ وتالياً جذب الجمهور، فهل يوافق الصّوّاف هذا القول أم يعارضه؟ يبيّن: “بالتّأكيد يحبّ الجمهور نجومَ الصّفّ الأوّل، وهم عناصر جذب، وهذا عرف وتقليد في لعبة الفنّ من سينما ومسرح وتلفزيون، لكن هناك جمهور كبير يحرص على مشاهدة شباب جدد ليس لديهم شهرة أو جماهيرية، ويتفاعل معهم، ويحبّ تجاربهم، ومع الوقت يتحوّل هؤلاء الشّباب إلى نجوم، ومنهم من يستلل إلى الأضواء من خلال هذه العروض، على الرّغم من أنّ أعمالهم في البداية لم تكن عروض شباك، لكن للأسف نجوم الشّباك لدينا في مصر عازفون عن الوجود المسرحي، ومبتعدون قليلاً عن تقديم عروض مسرحية أو افتتاح المسارح كما في فترة التّسعينيات والثّمانينات والسّبعينيات عندما كانت المسارح في مصر منوّرة بسبب التّنوّع في العروض، وكان النّجوم موزّعين بين الكوميديا والدّراما، وكان مسرح الدّولة يستقبل نجوماً كثيرين مثل نور الشّريف ويحيى الفخراني وسميحة أيوب وعبد الله غيث، الذين كانوا آخذين على عاتقهم عروض كلاسيكية كبيرة وضخمة في مسرح الدّولة، وكان المسرح الخاص يضيء بوجود عادل إمام وسمير غانم وأحمد بدير وسعيد صالح، الذين سلكوا الخطّ الكوميدي والعروض التّرفيهية، وكانوا في فصل الصّيف يشغلون المسرح بعروض تنتظرها الجاليات العربية والأجنبية، وهذا لم يعد موجوداً اليوم، والبعض يلجأ إلى التّجارب الموجودة في موسم الرّياض، لكن ليس لديهم الحماس لتقديم عروض مسرحية في مصر، ما يؤثّر علينا ويحمّلنا كشباب ومجاهدين في المسرح والفنّ مهمة تغطية هذا الفراغ، وتقديم تجارب حقيقية لها رسائلها المؤثّرةً”.
ويتابع الصّوّاف حديث المسرح الشّجي، مع الأمل بالمستقبل، يقول: “الفنّان محمد صبحي ما يزال حريصاً على تقديم تجارب مسرحية حقيقية كلّ فترة من خلال فرقته الخاصّة في مدينة سنبل التي يملكها، ويحاول من خلالها مناقشة قضايا مهمّة، ربّما تغيّر الزّمن قليلاً والمسألة أصبحت صعبةً على مستوى التّرويج والجماهير، لكن يُحسب له إصراره على تقديم مسرحية أو اثنتين يناقش أمر يلامسه أو مهموم فيه وأنا أحترم هذا الأمر فيه”.
وبالعودة إلى المسرحيين الشّباب وأكثر المشكلات التي تواجههم، يحدّثنا حازم الصّواف: “أعتقد أنّ أكثر مشكلة تواجه المسرحيين الشّباب هي انخفاض عدد جهات الإنتاج الدّاعمة للمشاريع المسرحية والتي لا تتناسب مع عددهم الكبير والمتزايد، وهذه المشكلة أيضاً تواجه الفرق المستقلّة وأنا منهم، طبعاً بالإضافة إلى معايير قبول مبهمة أي نحن لا نعرف معايير الاختيار، وهذه أكبر مشكلة جعلتني كمخرج وصاحب فرقة مستقلة ألجأ إلى عروض المسرح الفقير التي لا تعتمد على إنتاج ضخم، ويكون الاعتماد على الأداء والكتابة والإخراج لأنّني أنتج بنفسي مع مساهمات بسيطة من عناصر الفرقة، لكي نقدّم عروضاً مسرحية نقول من خلالها ما نريد.
لكن هل يفي المسرح الفقير بالغرض في ظلّ هذا التّطوّر التّكنولوجي الهائل؟ يجيب الصّوّاف: “كفرق مستقلة وشباب، أرى أنّ هناك ضعف في الإمكانيات، لكن هذا الضّعف أحياناً يصبّ في مصلحة الإبداع، أي قد لا يكون معي ميزانية لأقدّم صورةً مبهرةً، لكن هذا يجبرني على أن أشغّل تفكيري وخيالي أكثر، وأحقق جزءاً من الإبهار البصريّ والدّارمي والتّمثيل، وأحاول توظيف أفكار بسيطة تخدمنا على مستوى الصّورة المسرحية وتكون مبهرةً وملفتةً، لكن أكثر ما نعانيه هو أنّ ثقافة الفرجة أصبحت مختلفة وخصوصاً في زمن الجوّالات التي تسهّل على أيّ فرد رؤية ما يشاء من أفلام “أونلاين” و”بودكاسات”، كلّ هذا ولّد كسلاً عند الفرد، لكن ومع كلّ ذلك وبوجود أساليب ترويجية عديدة وعروض حقيقية، جمهور المسرح سيبقى على نشاطه، فالأمل ما يزال في المسرح لأنّ فكرة التّفرّج على حدث درامي يمثّله ممثّلون أمامنا ما يزال لها بريقها مهما تطوّرت التّكنولوجيا وسبل راحة المتفرّج، وما يزال لفكرة نزول المواطن إلى المسرح مذاقها الخاصّ، وهذا رهاننا الوحيد.. المسرح لن يختفي مهما تطوّرت الحياة، ويبقى الأمل أيضاً بتقديم ما يحترم عقل المتفرّج، وهذا ما نسعى إليه”.