ثقافةصحيفة البعث

فيروز ودمشق.. قصة حب لا تنتهي

أمينة عباس

لم تكن علاقة فيروز بدمشق في يوم من الأيام عادية، وقد جمعتهما قصة حب قديمة ومتأصلة، فمن إذاعتها ـ إذاعة دمشق ـ التي احتضنتها انطلقت عام 1953 عندما كان الأستاذ يحيى الشهابي يشغل منصب مدير البرامج فيها وقد خصص لها يوم الأحد من كل أسبوع لتقدم عبر أثيرها أحدث أغانيها واسكتشاتها، ومنها أغنية الشهرة “حاجة تعاتبني يئست من العتاب” التي ما زالت إلى اليوم في وجدان كل دمشقي، كما بيَّن الباحث غسان شاهين في محاضرته التي ألقاها، مؤخراً، بالمركز الثقافي العربي في “أبو رمانة” تحت عنوان “فيروز والشام قصة حب لا تنتهي”.

وأشار شاهين إلى أن “الرحابنة وفيروز لم ينسوا رد هذا الجميل للشام التي احتضنتهم وتفاعلت معهم وتبنّت أفكارهم، فغنّوا لها أجمل القصائد التي رددها السوريون كما لو أنها نشيدهم الوطني، فكان الوطن مع فيروز حكاية حب لا تنتهي إلا مع نهاية الزمان، وهي رحلة عاطفة لا حدود لها، نحياها كل صباح ومساء، وقد أصبحت هذه الأغنيات جزءاً من شخصيتنا السورية وشعاراً في الكثير من المواقف، فدمشق كانت ملهمة الأخوين رحباني، إذ لحّنا لها أجمل الأشعار التي صدحت بها حنجرة فيروز، وكانت البداية أغنية “ضفاف بردی” “وقد تم طرحها في القناة الرسمية على اليوتيوب بتاريخ ١٠ آب٢٠٢٠ وهي الأغنية التي غنتها فيروز عام 1957 وتقول فيها: “ضفاف بردی يا جارة الأحلام.. على جبين الشام.. تلون المدى، لتتتالى بعد ذلك روائع أخرى لحّنها الأخوان رحباني، كأغنية “وطني سماؤك”: “وطني سماؤكَ حُلوةُ الألوانِ ورُبوعُ أرضِكَ عذبةُ الألحانِ، لكَ في قُصورِ المجد وِقفَةُ سَيِّدٍ وعلى شِفاهِ المَكْرُمات أغاني” و قصيدة “إلى دمشق” التي يبث الأخوان رحباني وفيروز فيها حبهم لدمشق التي ساروا في دروبها وظللتهم غيماتها فيتمنون لها السلام: “بلادي وحُبّك يا مُوجِعي معي يا بلادي يعيش مَعي، يُحدَّثُ عنك برِفْعَةِ رأسٍ حديثَ البُطُولاتِ لم تركَعِ، إذا تُذكرينَ يَشِيلُ جَناحٌ ويُوغلُ في الزمنِ المُسرِعِ، بلادي عليكِ سلامُ الشعوبِ في البالِ أنتِ وفي المَسْمَعِ”.

وتطرق شاهين أيضاً إلى تعاون الأخوين رحباني مع الشاعر اللبناني سعيد عقل الذي كتب أجمل أغنيات فيروز عن الشام “سائليني يا شام” وهي تتحدث عن دمشق عاصمة الأمويين وجنة الدنيا بنهرها بردى: “سائليني يا شام، حين عطرت الغمام، كيف غار الورد، واعتل الخزام، وأنا لو رحت أسترضي الشذى، لانثنى لبنان عطراً يا شام” وقد شدت بها فيروز عام 1961على مسرح معرض دمشق الدولي الذي اعتادت تقديم حفلاتها على خشبته كل عام، وقد استمر تعاون الأخوين رحباني مع عقل وأثمر هذا التعاون عن دمشق قصيدة “شام يا ذا السيف”: “شام يا ذا السيف لم يغب.. يا كلام المجد في الكتب.. قبلك التاريخ في ظلمة.. بعدك استولى على الشهب” وقصيدة “قرأت مجدك”: “قرأت مجدك في قلبي وفي الكتب.. شام ما المجد أنت المجد لم يغب” وقصيدة “يا شام” وهي الأغنية التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمعرض دمشق الدولي أواخر فصل الصيف حيث الموعد السنوي لفيروز مع دمشق: “يا شَامُ عَادَ الصّيفُ متّئِدَاً وَعَادَ بِيَ الجَنَاحُ، وعليكِ عَينِي يا دِمَشقُ، فمِنكِ ينهَمِرُ الصّبَاحُ، وأنا إليكَ الدربُ والطيرُ المُشَرَّدُ والأقَاحُ، في الشَّامِ أنتَ هَوَىً وفي بَيْرُوتَ أغنيةٌ ورَاحُ، يا شَامُ يا بَوّابَةَ التّارِيخِ، تَحرُسُكِ الرِّمَاحُ” وفي العام 1965 لم يأتِ الأخوان رحباني وفيروز إلى دمشق لإقامة الحفلات الغنائية، لكنهم في السنة التالية عادوا ليقدموا أجمل ما أبدع سعيد عقل أغنية “أحب دمشق” التي افتتحت بها فيروز عروض مسرحية “المحطة”: “أُحِبُ دِمَشقَ هَوايا الأَرَقا، أُحِبُ جِوار بِلادي، دِمَشقُ بِغوطَتِكِ الوادِعة، حَنينٌ إلى الحُبِ لا ينتَهي، كَأنَّكِ حُلُمي الذي أشتَهي”.

وبيّن شاهين أن الأغنية الوحيدة التي قدمتها فيروز عن دمشق ولم تكن من تلحين الرحابنة هي قصيدة “مرّ بي يا واعداً وعدا” شعر سعيد عقل والتي لحّنها الموسيقار محمد عبد الوهاب: “مر بـــي يا واعداً وعـــدا مثلما النســــمة من بردى، تحـــــمل العــــمـر تــبدده آه ما أطــــيـــبه بــــددا، الهــــــوى لحـظ شــــآمية رق حتـــى خلـــته نــفـــذا، هكذا الســـيف ألا انغمدت ضربة والسيف ما انعمدا، أنا حبي دمــــعة هجرت أن تعد لي أشـــعلت بردى”.

وكان شاهين قد توقف في بداية محاضرته عند تعاون الأخوين رحباني وفيروز مع الأخوين فليفل في الغناء لدمشق والذي أثمر أغنيات عديدة، منها “ميسلون” عام 1952: “عندَ الحدودِ وفي مَيسَلُونْ.. لنا ذكرياتْ بطولاتُ جيشٍ تحدّى المنونْ.. ليبني الحياةَ الحياةْ.. وأحيا على الأرضِ عَبْرَ القرونْ.. شعارَ المُشاةْ” وقصيدة “موطن المجد” عام 1952: “موطن المجد.. سر إلى الأمام فوق مسراك.. يخفق السلام.. يا موطني يا قصة الجمال.. ولحن شعب رائع النضال” أما آخر أغنيات الأخوين رحباني وفيروز عن دمشق فكانت “بالغار كلّلت أم بالنار يا شام” بعد الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري فـــي معارك حرب تشرين التحريرية عام 1973: “بالــغار كللت أم بالنار يا شـــام أنت الأميرة تعلو باسمك الهام، ختام تشــــــرين هل ناس أوائله إذ هب يعتصــــر العــنقود كرام، يا شـــــام ســكبك مجد ما يكون إذا بملئ كفك دفــقــا أفرغ الجـام، يا شــــام لبنان حـــبي غير أني لو توجع الشـــام تغدو حبي الشام”.