صحيفة البعثمحليات

قرة فلاح: 2023 كان الأعلى حرارةً في التاريخ.. فهل نشهد مزيداً من موجات الحر؟

دمشق – لينا عدره 

على عكس ما يظنّ البعض، فإن ظاهرة التغيّر المناخي ليست بالأمر الجديد، بل ترجع لعشرات السنين، وهي دائمة الحدوث، إلا أنها سابقاً كانت ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة تغيّر ميول الأرض ودورانها حول الشمس، وتغيّر ميل الأرض وميل المحور، وهي تغيرات كثيرة تتعرّض لها الأرض أثناء دورانها حول الشمس.

ووفقاً لما تحدّث به أستاذ علم المناخ في جامعة تشرين، الدكتور رياض قرة فلاح، فإن ظاهرة التغيّر المناخي أخذت بالظهور تحديداً بعد عام 1860، ولم تكن واضحة تماماً إلا في آخر 50 أو 60 سنة، لتبدو أكثر وضوحاً في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وتبرز بعد عام 2000 لدرجة باتت فيها كلّ سنة بعد عام 2000 تنافس ما قبلها، لتكون الحرارة، بذلك، في آخر خمسين سنة الأكثر ارتفاعاً على مدار التاريخ، وتحديداً في السنوات العشر الأخيرة من تلك الفترة، وخاصة بعد 2010 وصولاً لـ 2023 الذي كان الأعلى حرارة في التاريخ بعد أن وصلت درجات الحرارة وموجات الحر فيه لأرقام غير مسبوقة.

قرة فلاح أكد على التأثير الكبير للتغيّر المناخي على كلّ مفاصل الحياة، بدءاً من الإنسان إلى السياحة والجليد والطقس، معتبراً أن الزراعة هي الأكثر تأثراً، لافتاً إلى أن بعض المحاصيل باتت تنمو بفترة زمنية أبكر من وقتها، كالتفاح والكرز التي تحتاج طقساً بارداً، الأمر الذي أثر على جودتها كونها لم تحصل على البرودة الكافية، فيما تعرّضت بعض المحاصيل للاحتراق ولضربات شمسٍ أحياناً أو لأمراض نتيجة الحرارة المرتفعة، مشيراً إلى انتشار ظاهرة زراعة المحاصيل الاستوائية، سواء في بيوت بلاستيكية أو في مناطق مكشوفة في منطقة ذات مناخ معتدل يثير الغرابة، ويدلّ على أن منطقتنا اليوم لم تعد من المناطق المعتدلة، ومن هنا يتضح الأثر الكبير للتغيّر المناخي على الإنسان والزراعة وازدياد الإصابات بضربات الشمس وحدوث الأمراض المرتبطة بالحرارة المرتفعة كالربو والمفاصل التي ترتفع في الحرارة المرتفعة.
وفيما يتعلق بما يُثار حول انتهاء بعض الفصول، يرى قرة فلاح أنه حديثٌ مبالغٌ به، مُفسراً الأمر بأن ما اختلف هو متوسط درجات الحرارة في مناطق معينة كونها لم تعد كالسابق، كأن تكون صيفاً 35، وترتفع إلى 38، والأمر ذاته ينسحب شتاءً من حيث الكميات الأقل من الهطولات الثلجية والمطرية المعتادة في فصلي كانون وشباط، والتأخر في هطول الأمطار التي اعتدنا عليها في أواخر أيلول لأواخر تشرين، الأمر الذي دفع بالبعض للاعتقاد بأن الخريف اتجه ليكون أقصر وأقرب للصيف.

وأوضح قرة فلاح أن درجات الحرارة مهما تغيّرت لا يمكن أن تشير إلى اختفاء فصل ما كالخريف أو الربيع، وكل هذا لا يلغي بأن لكل فصل خصائص معينة، إضافةً إلى أن موقع سورية الجغرافي لا يمكن أن يحرمها من فصولها الأربعة، غير أن وجود خصائص مختلفة لم تكن موجودة في هذه الفصول سابقاً مثل ارتفاع درجة الحرارة وتراجع الأمطار هي مرحلة تحدث وتتغيّر، منوهاً بتمتعنا هذا العام بفصولٍ أربعة، فمهما تغيّرت الحرارة تبقى هناك خصائص كبرى تميّز الفصول، وبالتالي فإن الحديث عن انتهاء بعض الفصول يبقى كلاماً غير علمي ولا يمكن أن يحدث بين طرفة عين وأخرى، ولكن الحرارة ترتفع وتوزع الأمطار يختلف وهذا ما يميّز التغيرات التي تحدث في كل فصل.
وأشار قرة فلاح إلى أن مشكلة التغيّر المناخي لا ترتبط ببلد ما، فاحترار الهواء في مكان ما قد يؤدي إلى ارتفاع الحرارة في بلد مجاور، ما دفع بالدول الكبرى للاجتماع بشكل دائم من أجل مناقشة القضايا المناخية، على الرغم من كونها المسؤول الرئيسي عما يحصل، مؤكداً قدرتنا على مكافحة التغيّر المناخي محلياً، رغم ارتفاع درجات الحرارة عن طريق الوعي على الرغم من عدم إدراك الشعوب عامةً لأهمية التغيّر المناخي، ما يُحمِّل الحكومات مسؤولية توعية المجتمع عن طريق المناهج التعليمية والإعلام، مشيراً إلى أن نشاط وزارة الإدارة المحلية والبيئة في هذا المجال صفر، وخاصةً مع غياب دورها، في الوقت الذي لا بدّ من إشرافها وتنسيقها مع كلّ الوزارات لنشر الوعي وعلى رأسها وزارة النقل، خصوصاً بعد أن أصبحت سورية بلداً ملوثاً جداً نتيجة استخدام السيارات المهترئة والقديمة، ما يعني ضرورة العمل للانتقال إلى الطاقات النظيفة رغم رفاهية الفكرة في الوقت الحالي، مضيفاً أن ما نعانيه من تلوث في الهواء مردُّه أسبابٌ عدة على رأسها ما ينتج عن وسائل النقل والنفايات الطبية والغذائية وغيرها، مشدداً على ضرورة الحفاظ على الغابات والتشجير، وخاصةً مع امتصاص كل واحد هكتار أربعة طن من غاز co2 وإطلاقه لـ5 أطنان من غاز الأكسجين، ما يجعل من الأشجار مصدراً رائعاً لتزويد الغلاف الجوي بالأكسجين ولتحسينه الجو وتخفيف حرارة الأرض وصد الإشعاع الشمسي من خلال تيجان الأشجار، لذلك، يضيف قرة فلاح، فإن خسارة هكتار واحد من الغابات هو خسارة كبيرة للنظام البيئي، مؤكداً ضرورة توسيع مجال المياه وإقامة المزيد من السدود وتخزين المياه قدر المستطاع، لما للمياه من دور في امتصاص كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، منوهاً بالدور الكبير للبحار والمحيطات التي تقوم بامتصاص أكثر من 80% من الغازات الدفيئة.

وفي سياقٍ متصل بيّن قرة فلاح أن الطقس الحار الذي نشهده صيفاً هو نتيجة تعرّض البلاد لضغط المنخفض الموسمي الهندي في طبقات الجو الدنيا، والمرتفع الجوي شبه المداري في طبقات الجو العليا وهي حالة جوية تجعل من الصيف حاراً، لذلك من الطبيعي جداً أن تكون درجات الحرارة أعلى من 40 أو من فوق 45 في المناطق الشرقية ولكن تفاوتها من 45 إلى 49 في العام الماضي في المناطق الشرقية والوسطى والشمالية والجنوبية، سببه وجود بقع شمسية وظاهرة النينو الدافئة التي تحدث مرة كل أربع أو ست سنوات، وتؤدي إلى تغيّر في مناخ العالم، ومناطقنا مع الأسف يبيّن قرة فلاح من المناطق التي تزداد حرارةً نتيجة تلك الظاهرة، حيث يزداد الجفاف معها، ما يسبّب انخفاض الأمطار في منطقة شرق المتوسط، مؤكداً أنها تبقى حالة طبيعية، وعليه فإن تأثيرها رغم انخفاضها قليل ووصولها للمراحل الأخيرة إلا أنه لم ينتهِ، فمن المتوقع استمرار موجه الدفء والحرارة التي حدثت العام الماضي للعام الحالي، ما يجعل طقس هذا العام أيضاً صيفياً حاراً ودرجات الحرارة مرتفعة بشكلٍ كبير جداً مع تفاعل وتداخل عدة عوامل مع بعضها منها البقع الشمسية وظاهرة النينو.
أما عن مدى دقة وصحة التوقعات المناخية بعيدة المدى يبيّن قرة فلاح أنها توقعات قد تكون قابلة للخطأ، رغم أنها مبنية على أساسٍ منطقي، مبيناً أنه وعلى الرغم من كونها توقعات إلا أنها تبنى على دراساتٍ علمية كما هي الحال في ظاهرة البقع الشمسية والنينو التي تحسب متى وأين وكيف ستحدث، وبالتالي يتمّ توقع الظواهر والضغوط الجوية التي ستترافق مع حدوثها، ما يجعل التنبؤ بما ستؤول إليه الأحوال المناخية في جميع مناطق العالم أمراً متاحاً، مؤكداً أن التنبؤ المناخي لسنوات بعيدة قد يكون قابلاً للخطأ نحو الزيادة أو النقصان، غير أنه عموماً قد يتجه نحو الزيادة للأسف، يضيف قرة فلاح، كأن يُتوقع بأن تصل حرارة منطقة ما بعد عشرين سنة لنحو 40 درجة لنُفاجأ بأنها تحدث ولكن بعد 15 سنة، ما يجعل التغيّر المناخي سريع الشدة والتواتر ويجري بأسرع مما نتوقعه.
وأكد قرة فلاح في نهاية حديثه أن مكافحة التغيّر المناخي تتطلب التقليل من غاز ثاني أكسيد الكربون أو التحول للطاقات المتجدّدة والتخفيف من استهلاك الوقود الأحفوري الذي يساهم بالدرجة الأولى في تراكم وزيادة الغازات الدفيئة في الجو.