عنصرية موصوفة.. يتم تجريدهم من إنسانيتهم باعتبارهم “الآخرين”
سمر سامي السمارة
على مرّ التاريخ، قامت الإمبراطوريات العسكرية بتهميش وسحق ضحاياها، وإدراجهم تحت مسمّى “الآخرين”، وعادة ما تحذو المؤسسات السياسية والإعلامية حذوها بدعم سياسات إمبراطوريتها الوحشية من خلال تغطيتها المتحيّزة. وهذا هو الحال مع الإمبراطورية الأمريكية وربيبتها “إسرائيل”، فغالباً ما تمضي الحكومة الفيدرالية الأمريكية ووسائل إعلامها الرئيسية معاً خطوة بخطوة.
على سبيل المثال كلمة “الإرهاب”، تشير صحيفة نيويورك تايمز بشكل دائم إلى حركة المقامة الفلسطينية بوصفها “إرهابية”، في حين تصف أعمال الكيان الصهيوني الإرهابية بأنها “عمليات عسكرية”، متجاهلةً أن العدوان الإسرائيلي على غزة أدّى إلى استشهاد أعداد كبيرة من الفلسطينيين الأبرياء.
وبغض النظر، عن العدد الإجمالي الهائل للخسائر المدنية التي لحقت بالفلسطينيين في غزة، فإن هذا العدد الذي يتم التهاون به تجاوز الـ34 ألف شهيد فلسطيني وأكثر من 14.000 طفل فلسطيني لا يتم الإبلاغ عنهم بشكل صحيح، فهم “الآخرون” الذين لا يحصلون على تغطية دقيقة، كما كان الحال مع الخسائر الفادحة بين صفوف الأبرياء من المدنيين خلال حرب بوش/تشيني الإجرامية على العراق.
ولنأخذ على سبيل المثال استخدام مصطلح “رهينة”، فقد أسرت “حماس” قرابة الـ240 ” إسرائيلياً في 7 تشرين الأول، بينما احتجز جيش الاحتلال أكثر من 9000 فلسطيني، بما في ذلك النساء والأطفال دون توجيه تهم إليهم، إلى جانب عدة آلاف آخرين يقبعون في معسكرات الاعتقال منذ سنوات دون توجيه تهم إليهم، وهو ما يُعرف باسم “الاعتقال الإداري الإسرائيلي” حيث يتعرّض الأسرى الفلسطينيون للتعذيب، ومع ذلك مَن الذين يحصلون على الاهتمام الأكبر؟ بطبيعة الحال يُنظر إلى الرهائن الفلسطينيين مرة أخرى على أنهم “الآخرون”.
وهنا لابدّ لنا من التساؤل عن تطبيق حق الدفاع عن النفس، فكم عدد المرات التي سمعنا فيها عبارة “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها” مقارنة بـ”لفلسطين الحق في الدفاع عن نفسها”، فأعضاء الكونغرس الذين يرفعون الصوت عالياً لإعلان حق الدفاع للمعتدي المحتل الذي قتل وشرّد وحرم الآلاف من الحصول على الأدوية والمعدات المنقذة للحياة ووسائل النقل الطارئة إلى المرافق الصحية، لا يستطيعون قول عبارة “لفلسطين الحق في الدفاع عن نفسها”، فهي عبارة محرّمة. ومرة أخرى، إنهم “الآخرون”.
غالباً ما يتم وصف “الآخرين” بكلمات أقل رحمة، ففي تحليل دقيق للمحتوى الذي أجرته صحيفة “ذا إنترسبت” لمقالات “لوس أنجلوس تايمز”، “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” في الفترة من 7 تشرين الأول إلى 24 تشرين الثاني، تبيّن استخدام هذه المنافذ لكلمات “مذبوحة” و”مروّعة” و”مذبحة” لوصف “إسرائيل” على الرغم من أن عدد الفلسطينيين الذين لقوا حتفهم 218 فلسطينياً إلى 9″إسرائيليين”.
وقالت صحيفة “ذا إنترسبت”: إن العدوان الإسرائيلي على غزة “ربما يكون العدوان الأكثر دموية في التاريخ الحديث وخاصة على الأطفال “، ومع ذلك هناك ذكر ضئيل لكلمة “أطفال” والمصطلحات ذات الصلة في عناوين المقالات في تلك الفترة الزمنية.
في الواقع، إن الأطباء الغربيين الذين يقضون بضعة أسابيع في مستشفيات غزة التي يتم قصفها يومياً هم شهود على مشاهد تتجاوز أي مستوى للمجازر المتعمّدة التي شهدوها في خدمتهم في المناطق المضطربة حول العالم، حيث تتعرّض سيارات الإسعاف والمستشفيات وآلاف العائلات والبالغين والأطفال والنساء والرضع على حد سواء الموجودين في مناطق خارج هذه المرافق للقصف بشكل روتيني من الطائرات والدبابات “الإسرائيلية” كما يتم استهدافها من القناصة الإسرائيليين.
وعلى الرغم من تحذير ديفيد ساترفيلد المبعوث الأمريكي الخاص للشؤون الإنسانية من خطر تعرّض سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة للمجاعة، الذي أشار خلال حدث افتراضي استضافته اللجنة اليهودية الأمريكية إلى أن “هذه ليست نقطة للنقاش، إنها حقيقة ثابتة، تقيمها الولايات المتحدة وخبراؤها والمجتمع الدولي وخبراؤها ويعتقدون أنها حقيقية”، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يواصل عرقلة دخول مئات الشاحنات المحمّلة بالأغذية والمياه والأدوية الحيوية، التي تصطف يومياً على حدود غزة، ويواصل ارتكاب الإبادة الجماعية التي طالب فيها وزراؤه الهمجيون في 8 تشرين الأول “لا كهرباء، لا طعام، لا وقود، لا ماء… نحن نقاتل الحيوانات وسنتصرّف وفقاً لذلك”.