نتنياهو.. والهروب إلى الأمام
طلال ياسر الزعبي
لا شك أن الكيان الصهيوني يعيش اليوم أزمة وجودية لم يشهدها منذ إعلان قيامه منتصف القرن الماضي، وذلك تابع، بالدرجة الأولى، إلى عجزه التام عن التخلي عن طبيعته العدوانية الإجرامية، رغم جميع المحاولات الأمريكية والغربية لإدخاله في اتفاقيات تطبيع تدمجه في محيطه، وآخرها اتفاقيات أبراهام.
غير أن الأزمة السياسية والشخصية التي يعيشها رئيس الحكومة الصهيوني، بنيامين نتنياهو، ربّما تجاوزت الحالة التي يعيشها الكيان بمراحل، ومَن يراقب تعاطيه مع الوضع الحالي الذي يعيشه الكيان يدرك جيّداً أن هذا المجرم السادي المهووس بالدماء يعمل على مبدأ واضح هو باختصار: “أنا ومن ورائي الطوفان”.
فعلى الرغم من جميع التحذيرات والتحليلات التي باتت تصدر يومياً، والتي تؤكّد أن المسار الحالي للسياسة التي يمارسها قادة الاحتلال قد تسرّع من دخوله في دوامة من العنف، وصولاً إلى اندلاع حرب أهلية إن صحّ التعبير، يصرّ الأخير على الهروب إلى الأمام من خلال افتعال حرب جديدة على حدود لبنان الجنوبية، موزعاً التهديدات ضد لبنان ومقاومته، بالتوازي مع رفض جميع الدعوات الرامية إلى الوصول إلى وقف إطلاق النار في غزة، بل يعمل دائماً على وضع جميع الحواجز لمنع أي اتفاق، ذلك أنه يدرك جيّداً أن أوّل نتيجة لأيّ هدنة هي الإطاحة به من رئاسة حكومة الاحتلال، ومواجهة التهم التي تنتظره في المحكمة، وعلى رأسها تهم الفساد، وبالتالي يصرّ على التصعيد دائماً وعلى جميع الجبهات، بحيث يقوم بإشعال النيران في كل الأماكن من حوله، معتقداً أن هذا الأمر يمكن أن يؤخّر من سقوطه، ويعمل على استدراج مشاركة غربية واسعة معه في الحرب وتوريط عدد من الدول الغربية في صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، حيث استطاع مثلاً إقناع واشنطن بتشكيل تحالف ضد اليمن يشهد العالم أجمع هزائمه اليومية أمام القوات المسلحة اليمنية.
ليس ذلك فحسب، بل إن نتنياهو يمارس سياسة داخلية خبيثة يحاول من خلالها تجميع كل المتطرّفين في حكومته، في محاولة لتوريط أكبر قدر ممكن من هؤلاء في الوضع المعقّد والخطير القائم، وذلك حتى يتمكن بالتضامن معهم من الوقوف في وجه جميع الضغوط التي يواجهها في الداخل بوضعهم جميعاً في مواجهة مباشرة مع الشارع الذي يغلي مطالباً بالوصول إلى صفقة لتبادل الأسرى مع حركات المقاومة في غزة ووقف إطلاق نار دائم يمكن أن يكون مقدّمة للسلام في المنطقة، وذلك أنه حتى المتطرّفين من المستوطنين أنفسهم لم يعودوا يتحمّلون فعلياً هذا المناخ الدائم من النزوح في الداخل وانعدام الأمن، فضلاً عن موجات الهجرة إلى الدول الغربية التي تصاعدت مؤخراً.
والحال أن نتنياهو ضمن واقع العجز والفشل الذي يعيشه هو وحكومته في تحقيق أيّ نصر عسكري في الميدان، بعد استنزاف أكبر قدر من ترسانته العسكرية وترسانة حلفائه الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، فضلاً عن الضغوط الأمريكية المتزايدة بفعل اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وآثار ذلك السلبية على حظوظ الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في البقاء في السلطة، وتوجّه محكمة الجنايات الدولية إلى إصدار أوامر اعتقال بحقّ نتنياهو وما يسمّى وزير الأمن يؤاف غالانت وهرتسي هليفي رئيس أركان جيش الاحتلال، كل هذه الأمور تدفعه إلى الهروب إلى الأمام تجنّباً للمحاسبة، حتى لو أدّى ذلك إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، تؤكّد جميع التقارير الصادرة أنها وشيكة الحدوث إذا لم يتم لجم الحالة الهستيرية التي تسيطر على قادة الكيان برمّته.